الرجوع والاستشهاد بما يقوله الملك, ليس موسمياً أو آنياً, فرغم أنني من المجموعة التي تشرفت بلقاء الملك في الأسبوع الأخير من شهر شباط الماضي, إلا ان الوقائع والمجريات تكشف كل يوم, كم الفائدة والمخزون التحليلي الذي يمكن العودة اليه عند كل مفصل او حدث, فما يعرضه الملك في اللقاء معه زوادة للكاتب ومخزون حيوي, وتظهيره للقراء يحتاج الى وقت والى تشبيك الصورة مع اطارها العام, فكل الرهانات التي قالت ان الاردن سيتراجع او يتلكأ في مسيرة التحديث والاصلاح انكفأت وستواصل الانكفاء, وكل محاولات التعطيل والإلهاء تارة بتسريبا? ممجوجة او باخبار مضللة تذهب ادراج الرياح, ودون شك أن رؤية الأردنيين وهم يدلفون إلى مراكز الاقتراع لانتخاب إداراتهم المحلية ومجالسهم البلدية, تثبت رهانات الملك ومن خلفه الشعب الاردني, الذي يقوم بتدشين اول انتخاباته في المئوية الثانية.
سيجد المشككون في نسبة الاقتراع فرصة للذهاب بعيدا في خيالاتهم, وربما يجدون في حادثة هنا أو هناك عقب النتائج ما يروي سرابهم, وكأن أي حدث مرافق للانتخاب هو بالضرورة منتج أردني جرّاء الازمة المرسومة على خرائطهم الدماغية بانها موقف من الدولة ومشروعها, ناسين ان احداث «الكابيتول» مثلا جرت في اعرق ديمقراطية, والاحداث التي ترافق كل نتائج انتخابات هي ردة فعل طبيعية لمجتمعاتها, ونحن مجتمع ما زالت روابط الدم وروابط المنطقة اعلى من روابط السياسة, ولهذه اسبابها التي تحتاج الى وقفات, ولكن قبل الاستئناس بنسبة التصويت دعون? نتذكر ان اكثر من مليون ونصف المليون اردني, يجب ان يكونوا خارج نسب التصويت, فثمة مليون اردني في الخارج وهناك قرابة الربع مليون اردني في الاجهزة العسكرية والامنية والشرطية وهؤلاء لا يحق لهم الاقتراع وكذلك هناك سبعون الف اردني منغمسون في العملية الانتخابية كمراقبين وموظفين, اذن المقام الذي يجب ان نقسم عليه اعداد المقترعين هو 3 ملايين وليس 4 ملايين ونصف المليون, حتى نقيس نسبة استجابة الاردنيين.
اردت ان ابدأ بهذه الدلالة قبل الرجوع الى حديث الملك خلال اللقاء الاخير, والذي كشف فيه الملك عن نسبة تفاؤل عالية بالمستقبل, كنت احد السائلين انفسهم عن اسباب هذا التفاؤل, لكن اليوم وخلال جولة بسيطة على بعض مراكز الاقتراع وعلى شاشات التلفاز, وجدت نصف جواب, والنصف الثاني, وجدته وانا استذكر حديث الملك عن الخارطة الدولية والاقليمية القادمة, وعن التحول الذي سيطرأ على العلاقات الدولية بعد كورونا وبعد حسم بعض الملفات الساخنة, عالميا, وكانت الازمة الروسية-الاوكرانية, لما تزل اياديها على الزناد, لكن رائحة البارود تمل? الدنيا, واظن لست آثما ان الملك كان يعلم ويدرك ان الحرب واقعة, ولذلك كانت القمم الثلاثية على حوض المتوسط, مع اليونان وقبرص, وكانت التقاطته واسعة المدى, فالمتوسط سيكون صاحب الكلمة العليا في قادم الايام.
صحيح ان الظرف الداخلي هو الهاجس الاعلى عند الملك, وتحديدا ظروف الاردنيين المعاشية, لكن النظرة الملكية تبحث عن السنارة التي تحدث عنها طويلا, وليس عن السمكة فقط, التي هي من واجب اركان الدولة وسلطاتها المحلية, والسنارة تقتضي ان ينفتح الاردن على الفضاء العام, وبالطبع تأتي اوروبا في مقدمة الاهداف الاردنية, والتي يتقن الملك قراءة تفاصيلها, وأظن ان هذه القراءة والمعرفة, هي التي تفتح علينا بين الفينة والاخرى طاقة من طاقات جهنم, على شكل تسريبات سمجة واخبار مضللة, تستهدف التضييق على الاردن ونشاطه الخارجي الواعي, وهذ? الطاقة التي اغلقها الاردنيون بسرعة وشموخ, وتجاوزوها وجدانيا وذهنيا, واقبلوا على معركة الاقتراع رغم كل الظروف الصعبة التي يعيشونها.
الخطوات الملكية ثابتة على ارضية السند الشعبي والمعرفة الواعية لما يجري وسيجري, ولن تطول فترة القطاف لمجهودات الملك وخطواته الاصلاحية.
omarkallab@yahoo.com
الرأي