هل تعود الجامعة الأردنية لتصبح "عقل الوطن" من جديد؟
باتر محمد وردم
01-07-2007 03:00 AM
إستمعت باهتمام شديد إلى كلمة رئيس الجامعة الأردنية د. خالد الكركي في حفل تخريج طلبة الدراسات العليا الأسبوع الماضي، بسبب شعوري بالكثير من الخوف على مستقبل الجامعة التي أفخر بأنني تخرجت منها بسبب القوانين الجديدة المطروحة وخاصة نظام تأديب الطلبةاشعر بأن إنقاذ الجامعة الأردنية هو المدخل لإنقاذ التعليم العالي والجامعات الأردنية كلها لأنها هي الجامعة الأم وصانعة المعايير الإدارية والأكاديمية، واشعر أيضا بأن الدكتور الكركي، وأن كنت لم أتشرف بمعرفته شخصيا ولا أكتب هذا المقال مديحا له يملك من العلم والمعرفة والنزاهة والإرادة ما يمكن أن يساهم في إخراج الجامعة من أزمة دخلتها في منتصف التسعينات وتفاقمت بعد ذلك، وأتمنى أن يتم السماح له بتنفيذ طموحاته ولا تتدخل مراكز القوى التي تريد استمرار الهيمنة على الجامعة في إيقاف مسيرته.
في خطاب التخرج قال الدكتور الكركي بأنه يطمح في أن تعود الجامعة الأردنية لتكون "عقل الوطن" وأن لا يستمر بعض معيقي التقدم من السيطرة على المفاصل الجامعية، مما يؤيكد أن النظرة طويلة الأمد لتحقيق التقدم موجودة ولكنها تحتاج إلى الإصرار والعزيمة.
يقول البعض أن مشكلة الجامعة الأردنية هي سياسية في المقام الأول بسبب التضييق على الحريات الطلابية وسيطرة هاجس أمني قصير النظر على القرارات الجامعية، ويعتقد الآخرون بأنها أكاديمية بسبب تفوق المصالح الاجتماعية على المعايير الأكاديمية في التعيينات والترقيات، ولكن في كثير من الحالات فإن من أهم مظاهر التدهور هو التراجع الحاد في الذوق العام.
اصابني بالوجع إلى درجة عالية أن أشاهد شعارات إنتخابية رسمها بعض مرشحي الإنتخابات الطلابية الأخيرة على الاسوار والبنايات والجدران المحيطة بالجامعة بطريقة منفرة وتدل على إنعدام في الوعي والذوق لدى هؤلاء الطلبة الذين يقدمون أنفسهم مرشحين لقيادة الشارع الطلابي وتدل كذلك على غياب أي نوع من المساءلة لدى إدارة الجامعة التي كان يجب أن تجبر هؤلاء الطلبة على مسح الشعارات بأنفسهم أو إعادة دهانها باللون الطبيعي من جديد لو كانت هناك معايير أخلاقية عالية في الجامعة. ولكن حالة الفوضى وإنعدام المساءلة تؤكد حالة التراجع المذهلة.
في الوقت الذي تمنع فيه الجامعة الأردنية النشاطات الحزبية والسياسية طوال السنوات العشر الماضية فإنها قد سمحت بإنتشار العشائرية على حساب الوعي الوطني، وسمحت بتجذر الخلافات بين الطلبة حتى وصلت الشجارات العرقية والإقليمية والعشائرية، وسمحت لبعض الطلبة بإطلاق النار في حرم الجامعة ابتهاجا بالنجاح الإنتخابي وسمحت بكل اشكال الواسطات والمحسوبيات في تعيينات أعضاء هيئات التدريس وترقياتهم وكذلك في علامات الطلبة وللأسف مارس بعض أعضاء الهيئة التدريسية اشكالا مزعجة من الولاءات العائلية والجهوية الضيقة وتم إستبعاد مرشحين أكاديميين ممتازين من التعيين في هيئة التدريس لأسباب غير أكاديمية وأحيانا بسبب توصيات من أعضاء آخرين يخشون المنافسة.
لقد كان خيار مواجهة الإسلاميين بالخطاب الإقليمي الخيار المفضل للحكومات في نهاية الثمانينات وحتى منتصف التسعينات ، وحقق هذا الخيار نجاحا تدريجيا في تقليص عدد المقاعد التي يربحها الإسلاميون في الجامعات، ولكن كان ذلك في المقابل يساهم في زيادة حجم التعصب القبلي حيث لم تغب اية جامعة رسمية وخاصة عن بؤرة الأحداث في الصراعات والمشاجرات المبنية على التعصب والمستندة إلى العنف
أكد الدكتور خالد الكركي في خطابه أنه يأمل أن تعود الجامعة الأردنية عقلا للدولة ومختبرا للإبداع وتنتقل من الولاء للعشيرة إلى الولاء للوطن ومن الخوف إلى الحرية ومن التعصب إلى التسامح وهذا كله يتطلب الكثير من الإجراءات التصحيحية شبه الثورية لإيقاف عجلة التدهور التي بدأت في منتصف التسعينات، وهي قرارات صعبة وتحتاج إلى دعم سياسي على أعلى المستويات لأنها سوف تتعرض إلى المقاومة الشديدة من داخل الجامعة وخارجها.
ليس من الضرورة أن يبدأ د. الكركي بالملف السياسي الحساس ولكن يملك الرجل القدرة لإعادة الإنضباط والاحترام والذوق العام والتخلص من كل مظاهر الإنفلات والزعرنة والولدنة التي تشهدها الجامعة وأن تكون هناك مساءلة شديدة لكل خروج عن آداب الذوق العام في الحرم الجامعي بما يتناسب ايضا مع مبادئ حرية الإبداع والتي تحترم النظام. أن فرض الهيبة والاحترام ليس مهمة شرطي وحارس مسلح بعصا بقدر ما هي مهمة عقل مفكر يحظى بالاحترام الأكاديمي لإعادة الإنضباط إلى الحرم الجامعي. الخطوة الثانية قد تكون تنظيف الجامعة من مظاهر الولاءات العشائرية والإقليمية وزرع الولاء الوطني ومنع كل مظاهر التعصب سواء من قبل الطلبة أو أعضاء الهيئة التدريسية والنظر بكل جدية في الحالات التي يثبت فيها مثل هذا التعصب، والترسيخ على المعايير الأكاديمية فقط في كل مراحل التعيين والترقية.
وبعد تحقيق مثل هذه الإجراءات الداخلية يمكن تأسيس وعي وذوق وممارسات جامعية مهيأة لتحقيق الإنتقال نحو الإبداع في الجامعة الأردنية وإعادة مكانتها السابقة التي كانت مفخرة للتعليم العالي في الأردن.
مدونة مرصد الأردن
www.jordanwatch.net/arabic