انشغل الراي العام الأردني والعربي كما هو حال شعوب المعمورة قاطبةً بمجريات الحرب في أوكرانيا، ومما لا شك فيه أن مشاعر من الرضا والشماته تمور في قلوب الاردنيين والعرب وفي عقلهم الباطن، ويعود ذلك لسببين: الأول هو أن هذه الشعوب ليست هي المعنية بالقصف والسحق والبهدلة وتمريغ الأنوف والتخريب في هذه المرة؛ فلقد اعتادت هذه الشعوب سماع أزير الطائرات الأمريكية والأطلسية في سماء العراق وليبيا وسوريا ولبنان وفي سماء كل من تسول له نفسه، أن يعادي إسرائيل أو يتلفت حوله أو يتلمس رأسه أو يعترض على تصريح مساعد سكرتير مساعد الناطق الرسمي للبيت الأبيض، أما السبب الثاني فيعود لحالة القهر والإحباط التي تعاني منها الشعوب العربية منذ حرب الخليج الأولى، عندما أوغلت القوات الأمريكية في غزو وتدمير البنية التحتية لدولة وشعب العراق الشقيق، وما تلا ذلك من أعمال مماثلة في ليبيا وسوريا، وكان الهدف الرئيس منها هو تفكيك المنطقة العربية وإعادة تركيبها على أسس طائفية ومذهبية وإذكاء التطرف الديني وإشعال نار الحروب الأهلية حتى تضعف الأمة وتقوى دولة الاحتلال.
المشاعر العربية التواقة لانتصار روسيا وللسيد بوتين بهذه المواجهة الشرسة مع أمريكا ودول أوروبا الغربية، تعززت عندما اكتشفت هذه الشعوب عنصرية الغرب المقيتة وكشفت زيف الصورة التي ارتسمت في عقولنا لدول كنا ننظر لها على أنها ديمقراطية وغير منحازة وتحترم حقوق الإنسان أينما كانت، إلا أن الواقع وبعد زوال الأقنعة كشف أن هناك تثمينًا خاصًّا للدم الأزرق، فغزو العراق وليبيا بحجة وجود أسلحة الدمار الشامل وإرسال الجيوش من على بعد آلاف الكيلومترات كان تدخُلاً مشروعاً!!! أما غزو إسرائيل للبنان فهو أمر مشروع!!
بغض النظر عن أسباب دخول الجيش الروسي إلى أوكرانيا ومدى قانونيته وحقانيته، فإن مشاعر الشعوب العربية التي يغلب عليها الرضا إزاء حملة روسيا ضد أوكرانيا هي على مبدأ " ليس حباً بعلي ولكن كرهاً بمعاوية" فكل من يتصدى لأمريكا التي نحترم شعبها ونكره إدارتها السياسية المتخم تاريخها وقراراتها بالوقوف إلى جانب إسرائيل، بالإضافة الى ما قامت به من تنكيل وإذلال للشعوب العربية وما حصل بالعراق من فظائع كقتل المدنيين في ملجأ العامرية باليورانيوم المخصب وفضيحة سجن أبو غريب وكذبة سلاح الدمار الشامل نماذج خالدة لن تزول من ذهن المواطن العربي، على كذب الدعاية الأمريكية والغربية.
نحب الشعب الانجليزي وهو بأغلبيته مؤيد لقضية العرب الأولى، وهناك أصوات جريئة ترفع الصوت عالياً لإدانة سياسة رئيس الوزراء البريطاني، وبهذا المقال نحيي كلمة النائبة البريطانية الشجاعة (جولي آليوت) وكذلك النائب الإيرلندي (ريتشارد بويت)، ولكن هذا لا يعني أن نغمض العين عن حقيقة الإدارة السياسية البريطانية على مدى العقود الماضية، ولن نغفل الإشارة إلى رئيسة وزراء بريطانيا سيئة الصيت والسمعة "مارغريت تاتشر" التي ألبّت بوش الأب على ضرب العراق، ومن بعدها "بلير" الذي أدين بجريمة الكذب، والذي أعلن بكل صفاقة بأن العراق يمكن أن يستخدم الأسلحة البيولوجية خلال 45 دقيقة ضد الغرب، لا نصدق وقد لا نؤيد مقولة المهاتما غاندي ولكنها مقولته ومفادها " إذا تشاجرت سمكتان في المحيط فابحث عن بريطانيا وراء ذلك ".