هل يمكن إعادة قراءة تاريخ معركة الكرامة بمصداقية؟
د.بكر خازر المجالي
20-03-2022 03:39 PM
كان الاعتقاد ان حرب حزيران بنتائجها القاسية هي نهاية الصمود العربي، وان الأحوال مهيأة وممهدة امام العدو ليفرض شروطه كما يشاء ، فتوجه للأردن لعقد سلام منفرد ،ولكن كان الرفض التام لكل محاولات إسرائيل، وبعد حزيران كان الاردن يمضي في البناء والتحديث وإعادة تنظيم الجيش تدريبا وتسليحا.
ولكن وبعد أقل من سنة من حرب حزيران وبعد فشل كل محاولات العدو في جلب الأردن الى طاولة مفاوضات اعتقد العدو فيها انه سيكون الطرف الأقوى، يغزو هذا العدو ارض الأردن معتقدا ان ما يقوم به هو نزهة فيها استثمار للفوز ، ولكن تكون تلك النتيجة المدوية في هزيمة العدو وأعظم آثارها تمثلت بمحو كل اثار الهزيمة ،وكانت المعركة تحديا خطيرا وربما كانت نتائجها ستتجه نحو محو الاردن بدلا من محو الغطرسة والقضاء على الاحباط واليأس ، وهنا نقرأ في برقية الحسين طيب الله ثراه مع بدء لحظات المعركة يقول فيها :
" "إننا لا نعرف حتى هذه اللحظة إلى أين ستنتهي معارك اليوم الدامية ،وان كنا نخوضها بكل العزم والتصميم دفاعا عن قدسية وطننا، وشرف عروبتنا، ولئن أخذتم تسمعون عنا وليس منا بعد هذا اليوم، فلان والله قد طالت نداءاتنا وتوالت، ولم يبق لدينا من مزيد إلا أن نهيب بكم للمرة الأخيرة أن التقوا في الحال بمستوى القمة".
وينقلنا اذار الى فورة النصر المبين ، وحالة عربية جديدة صنعها الجندي الاردني وقدمها هدية لامة العرب ، وفي افتتاح صرح شهداء معركة الكرامة يوم 25 أيار 1976 تحدث قائد معركة الكرامة للوطن والأمة قائلا :
(وعندما انتصف النهار ذلك اليوم كان الصلف قد تحول إلى مذلة، والغرور قد استحال إلى هوان، وكان النشامى قد نشروا رايات الفرح في سماء الأردن، ولاحت الرايات تتسع وتمتد لتنتشر في سماء العرب، وهزمت الأسطورة وهوت إلى الأبد ، واستعادت النفس العربية ثقتها، واسترد الإنسان الأردني عزته وكرامته).
والكرامة أضحت مناسبة وطنية يعتز بها كل أردني في هذا البلد الطيب ، يحتفل بعيدها،، عيد النصر والفرح في كل عام، ويرعى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين القائد الأعلى للجيش العربي الأردني الاحتفال السنوي في ذكرى تحقيق النصر ، و حين كان الاحتفال بالذكرى الأربعين للمعركة في 21 آذار عام 2008 م ألقى جلالة الملك عبدالله الثاني خطابا في هذه المناسبة قال فيه:
( في هذا المكان وقبل أربعين عاما قاتل النشامى الأردنيون بشرف للدفاع عن ثرى الأردن وبالرغم من تفوق العدو في العدد والسلاح والإمكانيات، وتمكن أبناء هذا الجيش من تحقيق النصر الذي أذهل العدو واجبره على الاعتراف بالهزيمة ولأول مرة في تاريخه).
آذار النصر من نصر الى نصر ، بحكمة القيادة وشجاعة القرار والصمود الاسطوري لجيشنا العربي الذي مهر خطوات النصر بدم الشهداء الابرار، وسنبقى في وطننا الاردني منارة اعتزاز ومثالا في التضحيات الصادقة، وهو الاردن بجيشه المخلص الأمين وبقادته الهواشم .
ولكن هناك حقائق للتاريخ حول المعركة يجب ان نذكرها :
1. اعاد الجيش الاردني بناء القوات المسلحة بعد حزيران بما بقي من الجيش وما لديه من معدات وذخيرة .
2. لم يتلقى الاردن طلقة واحدة بعد حرب حزيران ولا حتى بعد معركة الكرامة .
3. تمكنت استخباراتنا من تحديد ساعة الصفر واتجاهات الهجوم وحجم القوات المهاجمة .
4. بلغت مساحة ميدان المعركة حوالي 1300 كلم مربع ، طول الواجهة من جسر الامير محمد الى جسر سويمة مضافا اليها طول الواجهة من غور الحديثة الى غور الصافي حوالي 100 كلم وبمعدل عمق حوالي 13 كلم .
5. عرفت معركة الكرامة بانها معركة القادة الصغار .
6. مع بدء المعركة فجر الحادي والعشرين كان ميدان معركة الكرامة يمتلئ بجماعات قتال صغيرة من حيشنا زادت عن خمسين مجموعة يحملون قذائف الانيرجا وكانت تقتنص دروع العدو عن بعد امتار قليلة .
7. لم تتوقف المدفعية الاردنية عن القصف طوال اليم وتجاوزت نسبة عدد القذائف التي اطلقت المعدلات العالمية .
8. لأول مرة يطلب العدو وقف اطلاق النار بعد تعرضه لخسائر كبيرة .
9. وصل عدد الشهداء من جيشنا الى 87 شهيدا وهم من الضباط الشباب ، وبلغ معدل اعمارهم 27 سنة .
10. بلغت مساحة بلدة الكرامة حوالي 1 كلم مربع فقط ولم تجر فيها اية معارك واحتلها العدو بقوات محمولة جوا، وترك الجيش الاردني هذا العدو الى ان تمكن من وقف الخرق والسيطرة على ميدان المعركة فوجهت المدفعية الاردنية ظهرا قصفها للقوات المعادية داخل بلدة الكرامة فلجأت فورا الى الفرار من الميدان .
11. لأول مرة يترك العدو اليات صالحة ومدمرة وقتلى له في ميدان المعركة .
12. توزع الشهداء بين كل محافظات المملكة بما فيها شهداؤنا من جنودنا من محافظات نابلس والقدس والخليل وعددهم 23 شهيدا من بين 87 شهيدا .
13. ادعاء العدو بأن الهجوم للقضاء على الفدائيين لا اساس له من الصحة ، ولو كان هدفه فانه يستطيع بالمدفعية والطائرات تدمير قاعدتهم بخمس دقائق ، ولا يحتاج لفتح جبهة واسعة وفي مناطق لا يوجد بها اي تواجد للفدائيين .
14. شاركت في المعركة ثلاثة وعشرون وحدة قتال اردنية .
معركة الكرامة سفر خالد في التاريخ وانتصار كبير فاجأ العدو والعالم ، واعادت المعركة الثقة عند العرب وقدمت درسا عميقا للعرب هو " ان الانتصار على العدو هو ممكن اذا كان الجيش بهمة وقوة وعزم وتصميم بمثل ما لدى الجيش الاردني".
طوبى لجيشنا العربي
وطوبى للشهداء الابرار
والتحية لقائد المعركة المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه .
والتحية لجيشنا العربي الاردني بقيادة القائد الاعلى للقوات المسلحة الاردنية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين .