معادلة الاستهلاك والاستدامة
20-03-2022 10:18 AM
ينبغي أن نسألَ إن أنماط الاستهلاك في الأردن تتناسب ومتطلبات الاستدامة. المقارنة هي بين استهلاكٍ جائرٍ واستدامةٌ غائبةٌ في مجتمعٍ لا يستطيع إنتاج حاجته الاستهلاكية و بضمنها طاقته، فيلجأ للاستيراد، لكنه يُمعِنُ في الاستهلاك كأنه يملك كل المصادر. و بما أن المعادلة غير متساوية، فالدولة و هي ترعى أنماط الاستهلاك لأسباب مختلفة، ليس أقلَّها مسيرة التطور الطبيعي للشعوب، تفرض على المستهلك رسوماً مالية للتعويض عن ما يتم صرفه في محاولات لتعديل المعادلة لكنها في الجهة المقابلة و كما يبدو للمتابع لا تبذل ما يجب من جهود متناغمة لضبط و ترشيد الاستهلاك و توجيه المواطن لتحسس الحاجة المصيرية للاستدامة. ولا يفعل المستهلك المواطن غير المناورة مع أنماط الاستهلاك و حزمة التعريفات و الرسوم المفروضة.
الطرفان في رقصةِ إنهاكٍ لا تنتهي و المستفيد منها هو احتمالية النضوب و العدم، بمعنى تآكل المقدرات و زوال الاستدامة للأجيال القادمة. المطلوب هو أن تتخيل الأردن بعد خمسين أو مائة عام و تبدأ من اليوم وضع مسارات تأخذ في الحسبان احتياج 20أو 25 مليون أردني.
من "القناعةُ كنزٌ لا يفنى" و إلى "على قد لحافك مد رجليك" و "خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود" يردد العرب عموماً أمثالاً و حِكَماً فيها الحث على الاقتصاد و التوفير و النهي عن التبذير و ممارسة الاستدامة للموارد. لكن المؤسف المخيف أن حكمة الحياة اليوم أصبحت "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"! مقولةٌ فيها القدرية و الغيبيات غير الواقعية و الكثير من الاستهلاك الذي نراه الذي لا يقابله انتاجٌ و حمايةٌ للموارد.
فقبل أيام نشر الموقع التحليلي الرصين "حبر" تحقيقاً مخيفاً عن استهلاك المياه في الجنوب الأردني حَرِّيُ به أن يفتح تحقيقاً مطولاً و عميقاً عن هدرِ مورد مياه لا تتجدد.
بالطبع الماء للأردن مسألة حياة تحتاج لحلولٍ عبقرية علمية. هذه الحلول تمتد من نقطة ضخ الماء و للنقطة المهدورة من المستهلكين شرعياً أو احتيالاً.
وكذلك الكهرباء و الوقود الأحفوري و طاقة الشمس والرياح. كلامٌ كُتبت فيه المجلدات و نزوره لكننا نكتشف أننا متخلفين عنه و في سباقٍ مع استهلاكٍ لا يرحم لموارد لا تستديم.
يزداد استهلاك الكهرباء و الماء و الوقود بأشكاله باطراد للحاجة المستمرة للتبريد و التدفئة و تشغيل الأجهزة و لازدياد عددنا و تنوع أشغالنا و انتشارنا التعميري.
الكهرباء و الماء حقان إنسانيان أصيلان و ينبغي التمتع بهما بقدر ما ينبغي حمايتهما من الهدر. لكن بيوتنا ذات تصميمٍ مَساميٍّ لا يحتفظ بالحرارة. وشبكات الماء فيها الكثير من الاهتراء.
ومع كل ما يُشاعَ فإن الهدر في الطاقة أضعاف ما تعزلهُ أساليب البناء السكني و التجاري و الحكومي.
التشريعات موجودةٌ أو غائبة لكننا في هذا القرن من الزمان غير غائبين علمياً و ثقافياً لنتجاهل كمواطنين و مسؤولين الحاجة الماسة لتطبيق التعليمات.
لكننا نشعر أن بلدياتنا و نقاباتنا في معزلٍ عن تثبيت هذا كحقيقةِ حياة.
لهذا يضطر المواطن للتدفئة و التبريد المفرطين في الاستهلاك للوقود و مع ارتفاع التكلفة اتجه لتوليد طاقة الدفئ من الحطب كعنوان ثراء و كحاجة و لكنه باختصار يهرب من استهلاك لاستهلاك فسعر الحطب بارتفاع و الذي يأتي من أشجار محلية مكانه الأفضل هو الأرض لا الحرق خاصةً و أن اقتلاعها يتم بسرعةٍ أكبر من سرعةِ زراعة بديلٍ لها. ثم اتجه للشمس فاستثمرَ ليجد أن الحكومة قررت فرض رسوم جديدة و هي بالتالي صَيَّرَت ممارسة الاستفادة من الطاقة الشمسية من فكرةٍ ممتازة لواحدةٍ ستندثرُ بالتدريج. يبقى الرياح لكنها على بساطتها لا تزالُ بعيدةّ فاستهلاكَ المواطن يتم بوسائل متاحة لكن المواطن بات يُستهلكُ عند تكثيف الرسوم و التكلفةِ عليه، فإلى أين يتجه للحصول على طاقةٍ فعالة و بثمنٍ معقول؟ أو أن البديلَ له هو التقنين؟
هل يكمن الحل في إحكام الممارسات الوقائية مثل تصميم و عزل المباني بالدرجة الأولى و تجهيزها من البداية بالطاقة البديلة والاستغناء عن استيراد أجهزةٍ كهربائية تحتاج طاقةً كبيرةً لكي تعمل؟ و ينطبق هذا على المركبات و الشاحنات ذات الاستهلاك العالي للوقود؟ الأمر ليس بفرض رسوم عالية على المستهلك فنحن نعلم أن الدولة غير قادرة على التصاعد في الكلف الاستيرادية و المواطن لا يملك الدخل لتغطية رسوم إضافية ولكن ترشيد الاستهلاك عبر سياسات عمران واستيراد قد يعطينا الحل.
فمن غير المعقول أن نطلب معايير معيشة دولةً صناعيةً أولى بموارد الأردن المحدودة. و لا بد من ممارسة العقل الحكيم لأنماط الاستهلاك المغالية في الكرم في بيئةٍ لا تستطيع إدامة مواردها.
فلا يمكن الاعتماد على فرض كلف و رسوم متتالية لتصحيح معادلة الاستهلاك لأن هذا من شأنه أن يدفع المواطن لاتخاذ سلسلةٍ من القرارات المعيشية التي ستفاقم من الأزمة. و سيؤدي ذلك بدون شك لانفلاتاتٍ مجتمعية خطيرة. بالتأكيد فإن التنمية لن تستديم طالما هي على وتيرةِ استهلاكٍ و مكوسٍ دون ترشيدٍ واضحٍ بينهما.