نقاشات وحوارات كثيرة دارت حول جدوى التعليم الإلكتروني في التعليم العام والعالي؛ وبينما رأى طلبة وأهاليهم أنّ جدوى التعليم العادي أفضل بكثير من التعليم الإلكتروني منطلقين من أنّ التعليم هو تفاعلي بالدرجة الأولى، وأنه معني بالثقافة والأخلاق والسلوك مثلما هي عنايته في التعليم، ويعدّ مصدرًا رئيسًا من مصادر التنشئة الاجتماعية، فيما رأى أصحاب القرار في التعليم ضرورة تضمين جزءًا من التعليم الإلكتروني لمنظومة التعليم الجامعي حتى بعد انتهاء جائحة كورونا، وبنسب معيّنة ما بين الإلكتروني بالكامل ومدمج ووجاهي .
تمثّلت أهم الإشكاليات الفنية للتعليم الإلكتروني عند الطلبة وأولياء أمورهم بعدم وجود تغطية جيّدة لشبكة الإنترنت، وعدم امتلاكهم لأجهزة الكمبيوتر المحمولة أو الهواتف الذكية، أو لعدم قدرة الأهالي على الاشتراك الشهري بشبكة الإنترنت، وتعطّل الأنظمة والبرمجيات التي تعتمد عليها الجامعات أحيانًا.
أمّا أهم الإشكاليات التي تمثلت بالعملية التعليمية ذاتها فكان من أبرزها غياب التفاعلية، وضيق الوقت المخصّص للاختبارات، وسهولة الغش وغياب نظام تقييم فاعل وعادل من خلال السماح باختيار ناجح راسب في المساق، وغياب العدالة في حساب المعدل التراكمي لمساقات الناجح اثناء الجائحة في بعض الجامعات، وخاصّةً التخصصات الطبية.
في كلا الإشكاليتين السابقتين فانه يمكن مع الوقت التغلب عليهما، والوصول إلى درجة استخدام فعّال ومرضي للطلبة والمدرسين، لكن يبدو أنّ هناك إشكالية غاية في الأهمّية، وغابت عن جلسات العصف والمناقشة لجميع أطراف العملية في التعليم، وتتمثل بضرورة غرس حب التعليم والتعلّم في نفوس طلبتنا من بداية مراحلهم الدراسية؛ فالثقافة السائدة تربط بين الحصول على الشهادة والمعدل الأكاديمي تمهيدًا للعمل والمكانة الاجتماعية، فمن خلال الملاحظة أثناء التعليم الجامعي نلمس أنّ ّكثيرا من طلبتنا يتمنوا غياب المدرس، وقبل نهاية المحاضرة بعدة دقائق تبدأ الإشعارات والإيحاءات للمدرس بإنهاء المحاضرة.
ما نحتاجه ثمة معادلات تفضي لاتجاهات وقناعة لدى الطلبة وأهاليهم وعلماء التربية بأنّ التعليم لأجل العلم أولًا وأخيرًا، ومن العلم ذاته نتجه نحو أهداف أخرى مشروعة تتمثل في العمل والوظيفة والمكانة الاجتماعية، وبهذا نبعد عن التلقين والحفظ ويُقبِل طلبتنا على التعليم بدافعية ذاتية، وتلبية لذلك لا بد من استراتيجيات تدريسية تراعي بناء الطالب فكرًا وثقافةً وعلمًا وسلوكًا، واستراتيجيات تربوية تخلق طالبًا متميزًا متحفزًا للعلم والمعرفة.
وللإنصاف يبدو أنّ الطلبة من التخصصات العلمية أكثر التزامًا واهتمامًا بالتعليم بشكليه العادي والإلكتروني من التخصصات الإنسانية؛ ذلك أنّ طبيعة التخصص وصعوبته وحصر ممارسة العمل المهني لاحقًا في تخصص الطالب فقط، وقوة المنافسة في سوق العمل وعوامل كثيرة أخرى تسهم في تحفيزهم نحو الالتزام والمتابعة، ولعل الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية راعت كثيرًا مما تطرقنا إليه، ويظل التطبيق على أرض الواقع هو الكفيل بالتغيير، ولا بد في نظرتنا للتعليم الإلكتروني أن نراعي المصلحة الوطنية العامة، وأن يسهم التعليم أيًّا كان شكله في مخرجات تُعلي من التعليم في الأردن وتحقق الأهداف المنشودة، ولا بدّ في هذا المقام من الاستفادة من تجربة الكمبيوترات في مطلع الألفينات التي كلّفت الملايين، وأغرقت المدارس وهي تفتقر للكهرباء، وما إن وصلت إليها الكهرباء حتى جاء بعدها أجيال وأجيال من الكمبيوترات وباتت لا تصلح للطلبة.
في مقاربة ومقارنة مع نظرة الطلبة الغربيين للعلم مع طلبتنا، أذكر ذات يوم أنّ أستاذة في الجامعة الأردنية تدرِّس اللغة العربية للناطقين بغيرها، تأخرت عن المحاضرة ربع ساعة، فكان أن انهت المحاضرة على وقتها دون أن تعوضّهم مدّة تأخرها، فما كان من الطلبة إلا أن هبّوا و طلبوا منها الاستمرار، وأنهم دفعوا مالًا مقابل تعليمهم، وهذا ما نحتاجه قبل أن نعاين إيجابيات وسلبيات التعليم الإلكتروني