يُفترض في التعليم أن يُعدّ الأفراد للعمل وللحياة معاً.
منذ سنوات ونحن نتحدث عن ربط التعليم بحاجات السوق؛ وهذا أمر مهم، فالعلم لأجل العلم لم يعد طرحاً واقعياً.
بيد أننا نادراً ما نتحدث عن ضرورة ربط التعليم بالحياة عموماً، حياة الأفراد الناجحة والسعيدة. فالعمل على أهميته هو جزء من الحياة، لا الحياة كلّها؛ فهنالك أبعاد حياتية عديدة لا بد للتعليم من أن يُعدّنا للتعامل معها بفاعلية.
الكل يعرف الآن أن هنالك مهارات أساسية مطلوبة في سوق العمل والتي من المفترض أن يُمكّن التعليمُ الطلبة من امتلاكها، مهارات مثل التعلم الذاتي والتواصل الفاعل والابتكار وحل المشكلات وعمل الفريق وإدارة المعلومة والبحث العلمي والذكاء العاطفي والتفكير خارج الصندوق وغيرها.
لكن هنالك مهارات حياتية كثيرة مهمة كذلك لا بد للتعليم من تمكين الطلبة من امتلاكها، حتى ينجحوا في حياتهم الشخصية والمجتمعية، مثل نجاحهم في أعمالهم ووظائفهم.
والمهارات على هذا البعد لا حصر لها لتعدد المهام والواجبات المطلوبة من الفرد. منها مهارة التعامل مع الآخرين بلياقة ولباقة وأدب، والتفاوض ودرء الإشكالات قبل وقوعها والعادات الصحية والتمارين الرياضية الصحيحة وعادات الغذاء السليم والتعبير الحصيف عن الرأي ومهارات طرح المعلومة المخالفة وإشعار الآخرين بالود والاحترام، وغير ذلك.
كيف يُحقق التعليمُ المطلوبَ على بُعديّ العمل والحياة؟
هذا سؤال المليون دينار، والإجابة تكون من الخبراء بالطبع. لكن إحدى أهم الإجابات تكمن في أن يُحاكي التعليم، في تطبيق محتوياته وتنفيذ أساليبه وأنشطته ومشاريعه وفي طرائق إكساب الطلبة المهارات المنشودة، ما يتم على أرض الواقع على بُعدي العمل والحياة. و"المحاكاة» هنا هي الكلمة السحرية.
فالتعليم يجب أن يكون أشبه ما يكون بهيكل محاكاة الطائرة الذي يتدرب عليه الطيّارون، وهذا يعني الإعلاء من شأن البعد التطبيقي العملي والتدريبي والتقليل ما أمكن، دون الإخلال بالطبع، من البُعد النظري.
وهذا بالضبط المُراد من نظامنا التعليمي في المرحلة الحالية: أن يُحاكي المطلوب تنفيذه من قبل الخريج في بيئتي العمل والحياة.
هذا هو المبدأ الأساسي الذي يجب أخذه بعين الاعتبار عند وضع المنهاج وعند تدريب المعلمين عليه، حتى يكون المحتوى التعلّمي في المراحل الدراسية كافة متناغماً مع المهارات العملية والحياتية المطلوبة من الطالب بعد التخرج، تاركاً كل الأبعاد والأساليب التي لا علاقة لها بما يجري على أرض الواقع في بيئة العمل والحياة.
هنالك أبعاد نظرية وحفظ وتلقين وحشو معلومات لن يفيد في شيء، ومن هنا فالتركيز يجب أن يكون على ما يحتاجه الطالب فعلاً.
ما زال جيلي يذكر دروس الجغرافيا في الثانوية العامة في سنوات خلت، والتي كان التركيز فيها على حفظ الأنواع المختلفة من المحاصيل التي تزرعها بعض الدول العربية وكميات إنتاجها. مسميات مجردة وأرقام تُحفظ عن ظهر قلب ثم تنسى، ولا يذكر أحدنا أنه استخدم أياً منها في عمله أو في المواقف الحياتية سوى من باب المزاح أو التّندر.
التعليم الناجح هو الذي يُحاكي بيئة العمل والحياة عموماً.
(الراي)