منذ نشأة الدولة والحياة الحزبية في الاردن مشدودة على وتر القلق منها ومن حضورها في الحياة العامة, ونجحت السلطة في المائة عام الاولى من عمر الدولة, في توفير خدمات للجمهور بحيث لم يعد يلتفت الى الاحزاب كمعبر عنه, بالاضافة الى ادماج الحزبيين في جسد السلطة, تارة بالاستفادة من خبراتهم ودورهم, وتارات بالاحتواء, ونجح الرعيل الاول من الحزبيين في اضافة الكثير الى عقل الدولة وفقه تواصلها مع الجمهور, فمن ينسى مهارة الاستاذ ذوقان الهنداوي في هندسة وزارة التربية والتعليم وغيره كثير من ابناء الدولة الحزبيين.
ما يجري في المئوية الثانية مسكون حتى اللحظة بهواجس التجارب السابقة, التي حملت رسائل قاسية للدولة, سواء من الاحزاب الشمولية, او من الفصائل التي تشكلت في عهد دولة الوحدة, فبقيت الدولة في حلفها مع جماعة الاخوان المسلمين, وحزب الدولة الذي تشكل بحكم الواقع وليس بالاطار الحزبي المعروف, ورضيت السلطة بفكرة حزبها غير المرخص عمليا, والذي استأثر بكل المواقع والمناصب, وصارت التسوية واضحة بين يمين الاخوان ويمين السلطة, ونجح هذا التحالف بإخراج كل الاحزاب من المشهد بتوافق غير مكتوب, بحيث أخذ الاخوان كل المساحة الاجتماعية في اللجان الاجتماعية والمساجد والتربية والتعليم.
هذه التسوية الصامتة دفعنا ثمنها جميعا, وحتى تجربة الاحزاب الوسطية بداية التسعينات تم استثمارها تارة لتحسين شروط التفاوض مع الاخوان وتارة لإضعافهم, وضاعت التجربة بين الاقدام, الى ان جاءت لجنة تحديث منظومة الحياة السياسية, فاستبشرنا خيرا, اولا بالتخلص من هاجس الرعب من الاحزاب وتجربتها, وثانيا بإعادة تحفيز الحياة الحزبية على اسس برامجية, لكن العقل العام ما زال على موقفه من الاحزاب, وما زالت عقلية التقييد هي السائدة, وهذا ما كشفته الخطوات الاجرائية في قانون الاحزاب, حيث مساحة الاشتراطات عالية جدا, وثمة خلط بين تمويل الاحزاب وترخيص الاحزاب.
من حق الدولة ان تضع معايير واشتراطات لتمويل الحزب ولكن ليس من حقها وضع اشتراطات, لترخيصه, فالحزب يتم تمويله من جيوب دافعي الضرائب, وبالتالي اذا اختار دافع الضرائب هذا الحزب يحصل على التمويل, والعكس يمنعه من الحصول عليه, اما ان نشترط نسبا للشباب والمرأة والمحافظات فهذا سلوك غير حميد, بل وسيحقق تمثيلا ديكوريا وليس حقيقيا, وكان الاصل الاشتراط لحصول الحزب على الدعم والتمويل هو اجتياز العتبة البرلمانية والحصول على مقاعد في مجالس البلديات والمجالس المركزية, وحسب نسبة الحصول على مقاعد في اي من هذه الاختبارات الشعبية.
الحزب يكتسب مكانته من اصوات الناس وليس من عدد المنضوين تحت لافتته, فقوة اي حزب وتأثيره ليس مرهونا بعدد أعضائه بل بعدد المصوتين لبرنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي, فهل يعقل ان اي حزب امريكي لديه خمسين مليون منتسب, وكذلك الحال في اي حزب على هذه الارض, كان المطلوب تشجيع الناس اكثر على الحزبية كفكرة وبرنامج حياة سياسي, وليس الانضواء تحت رايته فقط, كما تسعى التشريعات الحالية, التي زادت من تعقيدات الحالة السياسية, بما يشي بأننا ما زلنا على هاجسنا الاكبر من الاحزاب وضرورة وجودها.
القانون سيعود الى مجلس النواب الذي عليه ان يستعين بفقهاء في انضاج الحياة السياسية وليس انضاج الحالة الحزبية بحيث يتم تقييف التشريعات وفقا لمعايير غير سياسية, وعكس ذلك فإن كل طموحاتنا ستذهب ادراج الرياح.