التغطية الإعلامية للعملية الروسية في أوكرانيا
د.حسام العتوم
19-03-2022 11:54 AM
مع بدءِ الأزمة الروسية - الأوكرانية الحالية، وإندلاع الحرب بتاريخ 24 شباط المنصرم، وهي التي وصفتها موسكو على أنها عملية عسكرية نظيفة تستهدف الأماكن العسكرية الأوكرانية الغربية وفي مقدمتها فصائل تنظيم " أزوف " المتطرفة النازية وصولاً لضمان أمن وسيادة الدولة الروسية العظمى من طرف حدودها الجنوبية مع أوكرانيا، وفي وجه ما يمكن تسميته - بالقنبلة الأوكرانية الغربية والغربية الأمريكية الموقوته، تدفقت القنوات التلفزيونية المحلية مثل " المملكة " ما عدا تلفزيون " عمان "، والفضائيات العربية مثل " الجزيرة "، و" العربية "، و" العربي – لندن "، و"الرافدين - اسطنبول " و" قناة الحرة " وقناة " سبوتنيك "، وصحيفة البيان الاماراتية، وقبلهم سابقا " قناة التغيير "، مقالاتي المتخصصة في فلك السياسة الروسية وما حولها في موقع " عمون " الإخباري الموقر, وقبلها في جريدة " الرأي " الغراء، خاصة ماله علاقة بالحرب على أوكرانيا، وبعد اصداري لكتابين هما " روسيا المعاصرة والعرب "عام 2016، و" الرهاب الروسي غير المبرر " عام 2020 .
وبطبيعة الحال لكل قناة أيدولوجيا وسياسة ونهج مهني مختلف, وما يهمني من اقترابهم مني وقربي منهم هو تبيان الحقيقة والبحث عن كواليسها، بعيداً عن خبايا الحرب الإعلامية الدولية الدائرة وبالأخص ما يدور في جناح غرب أوكرانيا، وفي الغرب الأمريكي على حد سواء، وعلى قاعدة أن الحرب خدعة، وبأن ليس كل ما يطبع خبراً .
وما لفت انتباهي وسط عمل القنوات التلفزيونية والفضائية سابقة الذكر هنا هو تباين الأداء المهني في البحث عن الحقيقة، والإرتباط بالسياسة والأيدولوجيا, فتصدرت قناة " الحرة " الأمريكية جمع التهكمات السياسية والإعلامية وبثها على الرأي العام العالمي مثل توقع استخدام روسيا للسلاح الكيماوي المحظور عالميا ضد المواطنين الأوكران، وقصف مستشفى "ماريوبل " الذي احتضن وقتها أطفالا "حسب رأيهم"، بينما أكد وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف تحصن أعدادا من فصيل " أزوف " النازي بداخله، والعقيدة السياسية الروسية، والقتالية للجيش الروسي الأحمر مختلفة تماماً عما يشاع وفي إطار الحرب الإعلامية الدائرة، ليس في أوكرانيا الشقيقة والجارة لروسيا، ولكن في كل عمق التاريخ المعاصر، ويصعب على من لا يقرأ التاريخ أن يتمكن من تفسير الحاضر لنا، وأن يستشرف المستقبل .
ولقد أعلنت روسيا بأنها قادمة لأوكرانيا بدعوة من اقليمي " الدونباس ولوغانسك " بعد اعترافها رسمياً بإستقلالهما، وبعد امتلاكها لمعاهدة دفاع مشتركة وتعاون معهما، وبالإرتكاز على المادة 51 7 من مواد الأمم المتحدة التي نصت على أن ( اعتداء قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة توجب حق الدفاع عن النفس )، وبعدما طفح الكيل بوصول عدد قتلى شرق أوكرانيا من أصول روسية ومن الناطقين بالروسية إلى 14 ألف مواطنا من بينهم نحو 500 طفل، وبعد الكشف عن مخطط لـ ( كييف ) والناتو لإجتياح شرق أوكرانيا بقوة السلاح، وبعدما رفضت " كييف " زيلينسكي الحوار المباشر مع " موسكو " بوتين، وعبر اتفاقية " مينسك 2015 "، ولعدم تعاونها مع لقاءات (النورماندي ) بمشاركة بيلاروسيا، وألمانيا، وفرنسا الهادفة وقتها لبسط سيادة أوكرانيا فوق أراضيها غرباً وشرقاً، ما عدا شبه جزيرة " القرم " التي حسمتها روسيا لصالحها بعد انقلاب " كييف " الدموي " عام 2014 عبر معطيات التاريخ وصناديق الإقتراع وبنسبة مئوية داخل الإقليم وصلت إلى 95% , وهو الإنقلاب الذي وقفت أمريكا خلفه وكل الغرب من زاوية تحقيق انتصارات لصالحهم وسط الحرب الباردة الدائرة من طرفهم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 إلى جانب سباق التسلح باهظ التكاليف، والعقوبات المجحفة وغير المبررة ضد روسيا رغم الابتسامات الرئاسية الأمريكية رفيعة المستوى في ( جنيف )، وبهدف اجهاض نهوض روسيا اقتصادياً وعسكرياً، والذهاب ليوم الإنقضاض على جبروتها ليس من الخارج بسب قوتها فوق النووية، وإنما من الداخل على شكل عقوبات اقتصادية صارمة بهدف الوصول إلى ما يشبه الثورات البرتقالية الناخرة في نظامها السياسي في قصر الكرملين الرئاسي. وما قبل الأزمة الأوكرانية لن يكون كما بعدها، والاصطفاف العالمي سوف يتغير حتماً. وعالم القطب الواحد سيبقى يقابله عالم الأقطاب المتعددة وتحالفات دولية جديدة .
وتاريخ روسيا السوفيتية في الحرب العالمية الثانية 1941 1945 وحدها كفيل بالرد على افتراءات الغرب الأمريكي بقيادة أمريكا وبريطانيا المؤثرة على قنوات الإعلام الغربية والصديقة لها في العالم، فلقد صنع السوفييت بزعامة روسيا القنبلة النووية عام 1949 بهدف ردع استخدامها ضدهم كما حدث مع اليابان في ( هيروشيما وناكازاكي ) من قبل أمريكا عام 1945 بحجة انهاء الحرب العالمية الثانية التي ثبت حينها أنها انتهت فعلا قبل الحادثة المأساوية، وأحبط السوفييت وفي مقدمتهم الروس مخططا أمريكياً لضربهم نووياً بعد ذلك. وفي الحرب ذاتها دفع السوفييت ومنهم الروس فاتورة من الشهداء وصلت إلى 27 مليون إنسان بهدف طرد أودولف هتلر وجبهته النازية الهتلرية إلى عمق "برلين " ورفع العلم السوفيتي فوق مبنى الرايخ " البرلمان " .
و في سوريا قدم الروس الشهداء أبان مطاردتهم للإرهاب من صنوف عصابات " داعش " المجرمة, ومن بينهم من جندته في بلادهم قبل عام 2015 وبعد ذلك، ( وحسب تصريح عام 2018 لفيكتور بوندانوف رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الإتحاد الروسي، فإن حصيلة القتلى الروس في سوريا خلال 3 سنوات تجاوزت ال 100 عسكري ). ولم يستهدفوا المواطنين السوريين كما اشاعت ماكنة إعلام الغرب، وتم الخلط بين أخطاء الحرب والاستهداف المقصود لبسطاء الناس، ناهيكم عن الاعيب التنظيمات الأرهابية نفسها ومؤامراتهم التي قصدوا منها النيل من سمعة روسيا على غرار رواية مطار " الشعيرات " خارج إطار لجان تقصي الحقائق، وهي أي روسيا المعروفة بتمسكها الشديد بالقانون الدولي وحقوق الإنسان عبر الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والمحكمة الدولية، وتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين، ومن خلال فتح مناطق لخفض التصعيد جنوباً وشمالاً بالتعاون مع الأردن، وتركيا، وأمريكا، والنجاح في تفكيك الترسانة الكيميائية للجيش العربي السوري عام 2013 وعبر ( جنيف ) ومن خلال جهد كل من وزيري الخارجية الروسي سيرجي لافروف والأمريكي جون كيري، وهو الذي فسر على أنه هدد وقتها أمن المنطقة، إلى جانب ظهور الإرهاب محمولاً على متن ( الربيع العربي ) قادما إلى سوريا من 80 دولة .
الملاحظ في الحرب الروسية - الأوكرانية التي دخلت أسبوعها الثالث، وبدأت تطوق العاصمة ( كييف )، هو أن الموقف الروسي منها ثابت، ويدعو لسلام قوي بشروط موسكو التي باتت معروفة للقاصي والداني، وهي التي في مجملها - التزام غرب أوكرانيا بالحيادية، وعدم الإقتراب من حلف (الناتو) العسكري، والإعتراف أوكرانيا بإقليم ( القرم )، وكذلك الأمر بإقليمي ( الدونباس ولوغانسك )، والتخلص من فصائل تنظيم ( أزوف ) المتطرفة، والتي عملت أمريكا على تدريبها وتجهيزها لمماحكة روسيا عبر التطاول على سكان شرق أوكرانيا وتسجيل نسبة عالية من القتلى وسطهم، وجلهم من الروس والناطقين بالروسية وبحجم 4 ملايين نسمة، وضابط البحرية الأمريكية " سكوت ريتر " يؤكد تدريب أمريكا ل- أزوف . وبدلا من مساهمة الغرب الأمريكي في الحوار لتحقيق السلام في ( كييف ) يدفعون بأسلحة بحجم مليار إلى أكرانيا، ويرسلون المرتزقة الأفغان برواتب شهرية تصل إلى 5 الاف دولار وتأمينات على الحياة بمقياس 250 ألف دولار للشخص الواحد .
ولقد انتقد رئيس روسيا الأتحادية فلاديمير فلاديميروفيج بوتين في خطابه الأخير والحديث سلوك ( كييف ) التي قادت للحرب ضد شرق أوكرانيا، ومع روسيا ذاتها، واصفا ما جرى ويجري من جهة غرب أوكرانيا تجاه الجناح الشرقي منها بالنازية التي تكرر صورة النازية الألمانية في عمق الحرب العالمية الثانية، كما أعاب على أمريكا عقوباتها الاقتصادية غير المسؤولة والتي لا تصيب روسيا فقط وإنما كل مواطن روسي في حياته الطبيعية، والهدف للغرب الأمريكي واضح هو اثارة الداخل الروسي على قيادته المنتخبة بدلا من الدعوة للتهدئة والحوار وانهاء الحرب بأسلوب حضاري وصولاً لسلام عادل لأوكرانيا ولروسيا ولشرق أوكرانيا أيضا، وللعلاقات الروسية - الغربية الأمريكية كذلك .
و أكثر من ذلك يلاحظ الرئيس الروسي بوتين بأن الغرب الأمريكي يغمض عينيه عما لايحب رؤيته وسماعه مثل عدد القتلى من الروس والناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا، وماله علاقة بأمن الدولة الروسية وسيادتها، وبكل ما تعلق بالعملية الأوكرانية الغربية الأخيرة في مدينة ( دانيتسك ) والتي أودت بحياة ( 20 ) مواطناً أوكرانياً، واستخدم الجناح الغربي الأوكراني ( الجيش وأزوف ) واستخبارات أوكرانيا قنبلة محظورة من نوع ( كاسيت ) لضمان مقتل العديدين، وتصوير الحادثة بعد ذلك من قبل ( كييف ) على أنها بفعل روسيا لتجييش الغرب وتحريضه عليها في هذه الأيام العصيبة الساخنة، خاصة وأن أمريكا وبريطانيا تضمران الشر لروسيا علناً، وهو الواضح من سلوكهما والغرب عبر الحصار الاقتصادي المسعور على روسيا الناهضة، والذهاب أكثر لتشكيل محكمة دولية بهدف انهاء الحرب على طريقتهم، ولمعاقبة الرئيس بوتين وليس الرئيس الأوكراني زيلينسكي صانع الحرب الحقيقي ونخبته السياسية المتطرفة، ووزير خارجية روسيا يؤكد مقتل المفاوض الأوكراني الصحفي النائب ( دينيس كيريف )، واختفاء أخر، وبايدن يصف بوتين بمجرم حرب، وردت موسكو عليه بأنه تصريح غير لائق. وأخيراً هنا يمكنني القول من يرغب أن يبحث عن العدالة الدولية سيجدها في الغرب الذي يعمل وعمل في عمق التاريخ دوماً على قلب الحقائق ليس في المسألة الأوكرانية فقط, ولكن في الفلسطينية، والعراقية، والأفغانية، ووسط كوريا الشمالية، وفي فيتنام، وللحديث بقية، وهو يطول ..