غياب الحوار و الرجال ايضا
سامي الزبيدي
12-08-2010 08:46 PM
ثمة "فريضة" تكاد تغيب عن اذهان اطراف النحبة السياسية الاردنية بما يجعل القنوات البينية تنقطع او على الاقل تكاد لا توصل بين الاطراف، وهذه الفريضة تتمثل في الحوار وادبياته ، فحين يغيب الحوار ويتخندق المسؤول الرسمي تحديدا خلف قراره فان من يدفع الفاتورة في نهاية المطاف هو المجتمع.
ليس خافيا ان الاستئثار في صناعة القرار سمة اساسية من سمات النظم الشمولية ونظامنا السياسي ليس شموليا ولم يكن ليحقق ما حققه من انجازات لو لم يكن يحترم على مدى تاريخه الثقافة التعددية التي يقبل فيها الاطراف المختلفة التعايش تحت سماء واحدة وعلى ارض واحدة، فلو التفتنا الى الوراء لوجدنا ان هيبة ومنعة نظامنا السياسي تحققت من خلال تعزيز فكرة القبول بالاخر المختلف وفق مبدأ المرونة التي تفضي الى تعايش المختلفين في ذات المركب.
في الحكومة هناك من يحاول ان يربط فكرة هيبة الدولة – وهي قضية مجمع عليها – بالتشدد وتغييب المرونه غير ان هذا الربط كلف الجميع حتى الان اثمانا باهضة لم نكن مضطرون لدفعها لولا الاصرار على هذا الربط العجيب وهذه الفكرة العجيبة التي جربت حتى الان وجلبت العديد من المشكلات يصعب الدفاع عنها حتى من قبل من انتجها وتبناها.
اذا كانت هيبة الدولة تتكرس في الاكثار من استخدام "لا" و في الفقز عن الحوار مع الذين يحملون رأيا اخر فان البلد هو الخاسر وفي نهاية المطاف قد يضطر من بيده الموازين الى التدخل وتعديل الميزان.
ربما لا يعلم الرافضون للحوار بصرف النظر عن موقعهم وموقفهم انهم هم الخاسرون لانهم برفضهم هذا يختطفون الدولة والمجتمع ويرسلونهما الى امكنة قلقة مليئة بالضباب يصعب فيها الابحار الامن.
ان رفض الحوار لا تنبئ عن شجاعة بل على العكس تماما فهي عنوان الهشاشة والخوف اذ ان معيار الشجاعة يتحدد في القدرة على استيعاب الخصوم والوصول معهم الى منتصف الطريق وليس استخدام سلطة الموقع لاغتيالهم سياسيا وتهشيمهم.
رحم الله الشيخ المربي والسياسي العريق الاستاذ ذوقان الهنداوي الذي لم تكن المواقع السياسية تمنعه من معارضة الخطأ حين يقع فقد كان ذات ازمة نائبا لرئيس الوزراء وحين دخلت سفينة الحكومة انذاك في منطقة "ضباب" لم يمنعه موقعه كنائب رئيس وزراء من التحدث عن ذلك الضباب الذي نبه في وقت سابق من الدخول اليه وقادته شجاعته رحمه الله الى الاستقالة.
اليوم نسمع عن عدم رضا وزراء اساسيين في الحكومة عن بعض القرارات غير اننا حين نسألهم عن ذلك يسارعون في نفي ذلك وكأنهم يفضلون البقاء في المنصب بالرغم من رفضهم لبعض ما يجري وهو لا يدرون انهم برفضهم هذا يفقدون وزنهم وثقة الناس بهم وبالتالي فان غضبهم لا يقدم ولا يؤخر.
انا لا اتحدث عن اولئك الوزراء الذين طفرت الدموع من مقلهم حين بلغوا باختيارهم وزراء فهؤلاء الوزراء الباكون لا التفت اليهم حين انتظر موقفا شجاعا بل اتطلع الى من اقرضوا الفريق الوزاري بعضا من هيبتهم.
البعض يتحدث عن استياء وزير رئيسي من طريقة ادارة الرئيس للملف الانتخابي، والبعض ايضا يتحدث عن استياء وزير رئيسي اخر من اداء الرئيس في بعض الملفات الاقتصادية غير اننا حين نتوثق من هذا العتب او النقد نتفاجأ بحرص الوزيرين على نفي ما كانوا اسروا به لاصدقائهم فيتحول العتب الصادر منهم الى عتب عليهم.
ربما نحن نحتاج الى سياسيين في الحكم يتخلقون باخلاق الرعيل الاول لان هؤلاء كان حرصهم على سفينة المجتمع يفوق حرصهم على سفينة الحكومات بصرف النظر عن موقعهم وموقفهم لانهم ببساطة يعرفون بنقاء غريزتهم السياسية ان الدولة هي الباقية ام الافراد فذاهبون ولا تبقى الا ذكراهم التي تشكلها خياراتهم السياسية.
Sami.z@alrai.com