رويداً سوف تنتهي العديد من الإجراءات الرسمية حول جائحة كورونا وذلك بالتزامن مع الإرشادات الوقائية وضرورة الالتزام بقواعد الصحة والسلامة العامة، وبالتدريج سوف نشهد عودة لممارسة مختلف أنواع التجمعات في الأماكن العامة، والانفتاح على الحياة من جديد في قطاعات جديدة.
القاسم المشترك بين الجميع سوف يكون وبالتأكيد الراحة والتحرر من القيود، ولكن هل يمكن التفكير جدياً في الاستفادة من الدروس المستفادة من الإجراءات المشددة خلال فترة جائحة كورونا واعتماد أنماط جديدة في الحياة العامة والخاصة؟
الاهتمام بالنظافة، التقليل ما أمكن من المصافحة اليومية والتقبيل، ترشيد مظاهر الأفراح والأتراح والمناسبات، تجنب التجمعات الكبيرة، الحرص على احترام دور العبادة والعناية بمظاهر الدخول والخروج والإقامة فيها، الاهتمام أكثر بالتوعية الصحية والعناية الشخصية، دعم القطاع الصحي، التفكير وبشكل جدي في أشكال جديدة من التعليم والتعلم، الاستفادة من المنصات العالمية والمشاركة في الفعاليات والأنشطة المنوعة، الحوار الأسري، تنظيم وإدارة الوقت والعديد من المهارات التي أجبرت الجميع على اكتسابها خلال فترة لم تكن قصيرة وكانت حرجة وقاسية على حد سواء.
التفكير في البدائل المتاحة هو شعار ونتاج مفيد عقب العودة لممارسة العديد من الأنشطة والانفتاح؛ لم نفكر على امتداد فترات الاستغراق في النعم بما يمكن أن يحصل خلال فترات الشدة العصيبة وضمن الظروف الاستثنائية، ولم نتصور يوماً أن ما حدث يمكن أن يجيرنا على تفاصيل كثيرة أصبحت من واقع الحياة العامة والخاصة.
"أيام ما كنا هبايل" مقطع فيديو استفزني؛ كانت تجربة استثنائية بكل معنى الكلمة ولا يوجد ما يبرر الاستهانة في الالتزام سوى الجهل، كانت حياة مريض بالالتهاب الرئوي ومتابعة لحظات الموت في غرفة العزل معاناة شديدة، بل كانت وفاة وفقدان الأعزاء قاسية وخصوصاً من الجيش الأبيض ومن كبار السن ومن مجموعات عزيزة وغالية على الجميع.
عدم الاستهانة بأي عارض وضرورة الارتقاء لمستوى المسؤولية هو ما نحتاجه بعد العودة لممارسة الحياة من جديد وليس بعيدا عن المرض والصحة والموت، بل قريباً من التدبر في الكون وتهيئة النفس للعيش والتأقلم مع المتغيرات وعدم التعود على نمط واحد في الحياة.
قريباً سوف نبدل نمط الغذاء في شهر الصوم ونعود لأجواء العبادة بانفتاح بعد الإغلاق والتشدد في الإجراءات؛ سوف نعود للتقارب وصلاة التراويح، فهل تكون تلك فرصة للاهتمام أكثر والعناية أفضل بنظافة المسجد وترتيب الصفوف وتطهير النفوس وتعظيم العبادة في شهر فضيل وعظيم؟
العودة لموائد الرحمن ضمن شروط الالتزام، فيها حاجة متزايدة لإطعام وتوفير وجبة إفطار للصائم وعابر السبيل باهتمام وعناية بترشيد الكميات والنظافة قبل الاعداد وبعد تناول الوجبات والإكثار من تنويع الاستفادة من إقامة هذا النشاط بعد غياب لمدة عامين.
علينا ألا ننسى تلك اللحظات العصيبة والتي عشناها والظروف الاستثنائية من القيود والحجر والإغلاق ومن فقدنا وخسرنا من اعزاء ومن التجارب المُرة والتي مرت وعدت بكل الأحوال والمشاهد والمتاعب.
المطلوب عودة واعية ومتدبرة ورشيدة ونيرة؛ ينبغي أن تكون تلك الفترات فواصل تأمل وتدبر، الحياة محطات ومراحل وصفحات نطويها بتجارب ودروس وعبر وبالطبع لا تدوم فيها الأمور على نفس الوتيرة من الإثارة والهدوء ومن الانفعال والصمود.
المطلوب عودة جديدة بكل معنى الكلمة من الترشيد والتغيير والتوفير والتقليل والعناية والحرص والتشديد والتقيد التام بمقتضيات كل مرحلة وانعطافات بكل اجتهاد وصمود وتجديد؛ لا بد من عودة وإلغاء لمظاهر عديدة لم تكن جوهرية في حال من الأحوال.
عودة آمنة.. ولكن علينا الحذر الحذر!
(الرأي)