قسدورة زرقاوية ملونة ١٩٦٦
د. نجيب ابوكركي
14-03-2022 02:03 AM
أذكر الزرقاء الدافئة جيدا منذ ما قبل ١٩٦٧ أيام ملعب الثانوية و سينما النصر والحمرا وسلوى وركس التي اختفت جميعها. كان لي بالزرقاء برنامج تسكع يومي تقريبا ينطلق من شارع السعادة للسوق المزدحم مرورا بالاستمتاع بوصلة غنائية متكررة هي اقرب للزعيق التسويقي من مسن بلحية بيضاء وقورة وقمباز بأسنان باتت لشيخوخته أقرب للأطلال كان معروفا يروج للحوم الخرفان والجديان والطليان بملحمة هاني الطلوزي و بصوت حاد مجعلك مكرر بزخات صوتية متفرقة متتالية ما بين غفوة واخرى
"بتشعة (٩) اللحيم". (اوقية اللحم البلدي بتسعة قروش) المحطة التالية: الوصول ثم حط الرحال لدقائق امام فترينا ستوديو عدنان الذي كان يمارس تسويقا عجيبا يضع صورا معدلة شخص بأربع عيون أو بأنف مكان العيون والعيون معلقة على الحنك كل هذا لاثبات إحترافيته التي أقنعتني وقادتني لاحقا لمواجهة كاميراته وتسجيل أول صورة شخصية لهوية المدرسة ولسوء الحظ ظهرت وينقص شوشتي خصلة شعر كنت قد استعرتها باجتثاثها لأستخدمها بمبادرة اقتصادية مني لصنع فرشاية رسم وتوفير قرش ثمن الفرشاة الصينية موفرا بهذا على البلد "عملة صعبة" نترك ستوديو عدنان الى حلويات ومرطبات أبو الرشيد مقابل بن السرور الذي يملأ السوق بعبق القهوة الطازجة النفاذ، رغم ذلك لم أكن من زبائنهم وإنما فضلت بن شهرزاد الواقع بنفس الشارع على الجهة الاخرى من شارع السعادة كان صاحبه ودودا وكبر راسي اول مرة عندما سالني عن القهوة التي اريد! لم اكن محترفا للقهوة انذاك ولا اميز بين الارابيكا او الروبوستا ولم اسمع بقهوة الموكا اليمنية او تلك النادرة من ارابيكا جبل جامايكا الازرق فأجبته "على زوقك" و يبدو انه قد انتفش فأبدع! لنعد إلى أبو الرشيد ندخل المحل وله بابين ورصيف عريض نسبيا ملئ بمعروضات الحلويات من النخب الثاني وخاصة الهرايس (الوقية بقرشين) واحيانا خليط معروضات بيع الساعات المستعملة او نثريات "كل شي بقرش ونص" نصعد للصالة انا وابن الخال "خليل القوي" و غالبا كنا نطلب براد ليمون كاسة زجاج وملعقة بتعريفة! احيانا كاسة لكل منا وأحيانا يكتفي أحدنا بصفة المراقب المساعد في التذوق وحسب ! كان هنالك منافس لهذه المحطة الحلوة أحيانا محل صب لبن للعوامة. نتجه بالسوق صوب الحسبة ونتجه قبل سوق الصاغة وبسطات ماسحي الاخذية ونحاسياتهم الجميلة اللامعة صوب سوق الحجاوي التجاري حيث الوقوف إجباري أمام مكتبة الشرق ومعروضات فتريناتها من الطوابع الجميلة والكبيرة والغريبة أحيانا لإمارات ودول .. أجملها الفجيرة، رأس الخيمة وبقية دول العالم! بعد ذلك نخترق السوق الضيق سريعا للجهة الاخرى نزولا صوب معسكر الزرقاء وعلى الطريق محل أحذية بوشة الانيقة واقمشة الطريفي و مكتبة السعادة ثم أحذية باتا حيث نتوقف لدقائق نتمقل بالحذاء العجيب الذي يقارب ثمنه الرقم الخيالي غير القابل للهضم انذاك والبالغ ٥ دنانير ٤.٩٩ اوف.. اوف ! يستوقفنا محل الساعاتي المخترع الفذ احمد المعاني ومن هناك قدم لي والدي (رحمهما الله) أول ساعة بمبلغ يقل عن خمسة دنانير ومن ماركة بريفس السويسرية ! بعدها قضيت عامين ثلاث مقاطعا للسينما خوف أن يلطش احدهم ساعتي من معصمي ويبيعها بالمزاد على الرصيف قرب حلويات أبو الرشيد! تطورت الزرقاء بعد ذلك وظهرت محلات واسواق أنيقة سوق الشعلان أحذية المصري نوفوتية أوديت و السوداني وفلافل ابو وجيه وظهرت محلات التسجيلات الموسيقية والسلطنة فتسلطننا واحيانا تسطلنا على انغام انت عمري وجفنه علم الغزل ثم تؤمر عالراس وعالعين !
* استاذ الجيوفيزياء وعلم الزلازل - الجامعة الاردنية