لَستُ أَدري - ولَيتَ شِعْري - على أيِّ رُوحٍ نَبَتَتْ !
جَوهرةٌ -في مكانٍ أَجدبتْ أرضُه، شَحَّتْ مِياهُه، نَفَقَتْ خَزائنُه...- أَشْرقَ نُورُها، وردةٌ فاحَ عَبيرُها، رانيةٌ عَزَّ نَظيرُها...، ليس هَمُّها إلَّا المعاليَ ومَصالحَ الخَلْق، فغدا ذلك خُلُقًا فيها وسُلوكًا.
ارتفعتْ بكبريائِها سُمُوقَ السِّماكَيْن، عَلَت بِشُمُوخِها أَخْلاقَ الثَّقَلين، الحِرْص دَيْدَنُها، واسْتثمارُ الوقت سلاحُها، والتّرفُّع عن دَنَسِ الأرضِ طباعُها.
لا تُحِبّ الصَّفاقةَ وسوءَ الأَدَب، تَأنَفُ من الخُبثِ وخِسّةِ الطَّبع؛ فإليكِ بُسْتانَ الحياءِ والفَضائل، ورَوْضةَ الطُّهرِ والنَّوافل، ومَعْهد الذّكاءِ والمناهل، وجامعةَ الوَفاءِ والخَمائِل- تَشْرئِبُّ الأعناقُ، تَتَطاول الرِّقاب؛ إذْ أيقن الجَمْعُ الجامعُ، أنّك ابنةُ رسالةٍ، وصاحبةُ أَمَانةٍ، تأوي إليكِ نُفُوسٌ حائرة، تَرْوَى بِكِ حُلُوقٌ ظامِئَةٌ، تَنْضُر برؤياكِ وجوهٌ شاحبة، لتعود مُشرقة نديّةً، رَقْراقةً سَخيّة، راضيةً مَرضيّة.
أيْ فتاةُ، أنت بين ثَقَافتينِ لا نَدْحَةَ لكِ عنهما، يُثيران فيكِ تَفْكيرًا، ويُنيران لكِ طَريقًا؛ فـ "الثّقافَةُ الدّينيّةُ تَلزمُكِ لُزُومَ المقاصدِ والغايات، وتَلزمُكِ الثّقافةُ اللّغويّةُ والأَدبيَّةُ لُزُومَ الوسائلِ والأَدَوات".
ولعلّ وُقوفَكِ على مَعالمِ الثّقافتينِ، يَجْعل منك سَوِيّة؛ فهما رُكْنانِ رَكِينَانِ، وأَسَاسانِ رَاسِخانِ في بناءِ الدَّعوةِ الإسلاميّة، والانْطِلاقِ إلى آفاقٍ أُخْرى رَحبة، وفَضاءاتٍ مُتَرَاحِبة.
ولْيَكُنْ يَقينًا، أَنّكِ إِنْ لَمْ تَكُوني بهما فَلن تَكوني بِغَيْرهما، وهما إِنْ لَمْ يكُونا بِكِ كانا بِغَيْرك؛ إذْ تَضمنُ لكِ الأُولى جَنّةً وتاريخًا، ولا تَهْوي بِكِ الأُخْرى إِلَّا في "مُسْتَنْقَع" التّاريخِ وأَوْشَابِهِ.