قانون الجامعات والتعليم العالي بعد أربع سنوات من التطبيق
د. فرحان عليمات
13-03-2022 11:22 AM
جاء قانون الجامعات وقانون التعليم العالي والبحث العلمي قبل أربع سنوات، تبعه تعديل جذري على أهم مواده عام 2019، والناظر لواقع الجامعات والتعليم العالي والبحث العلمي يدرك أن من المناسب إجراء مراجعة شاملة لمواد القانونين، فالقوانين تقر لمصلحة المجتمع والوطن، وتعدل أو تغير للحاجة ذاتها، ويعزز ذلك أنّ التعليم العالي الأردني وبعد جائحة كورونا أخذ منحى جديد تمثل بثبات التعليم الإلكتروني كجزء من المنظومة التعليمية حتى بعد انتهاء الجائحة، إضافة إلى أنّ ثغرات القوانين وسلبياتها تظهر عادة مع التطبيق.
في هذه العجالة أشير إلى بعض مواد القانونين كأمثلة فقط، لا للحصر، والتي تتطلب إجراء دراسات ومراجعه لبيان مدى تحقيقها للأهداف المتوخاة منها، فالمادة (9) من قانون الجامعات والتي نصت على تشكيلة مجلس أمناء الجامعة الرسمية، وتتكون من (13) عضو، منهم رئيس المجلس ورئيس الجامعة، وأربعة أعضاء من ذوي الخبرة والرأي، وثلاثة من قطاع الصناعة والتجارة، وأربعة من الأساتذة الأكاديميين، وهنا نعوّل على التجارب السابقة مدى الفائدة التي تحققت للجامعة من ممثلين عن قطاع الصناعة والتجارة، والحال كذلك بالنسبة لأصحاب الرأي والخبرة، وهل الواقع دل أنهم كانوا عونا للجامعات أم عبئا عليها، وهل من الممكن معالجة تضخم العدد، وإعادة هيكلة المجلس بحيث لا تتجاوز التشكيلة ثمانية أعضاء، أما بالنسبة للأكاديميين الأربعة، فالأصل أن يكونوا ممن يشهد لهم بالباع الطويل والخبرة العميقة في التعليم العالي والجامعات بغض النظر عن رتبهم الأكاديمية، فجامعاتنا أشد ما تحتاج إلى إدارة وكفاءة وليس لبحث علمي، ومن الأهمية معرفتهم لواقع الجامعة التي سيشغلون فيها أعضاء مجلس أمناء؛ ذلك أنّ منهم ولمرات عديدة استعمل(GPS) للوصول للجامعة المعين بها عضوا، وهذه الشروط وغيرها مما يرتأيه المشرع تأتي في نص قانون، لتبعد حرج الواسطات، وتكون مسطرة تراعي الكفاءات والخبرات.
أمّا المادة (10) من ذات القانون فجاءت عن مهام وصلاحيات مجالس الأمناء، وجاءت ب (16) مهمة وصلاحية، ولعل الناظر لتلك المهمات والصلاحيات يراها كثيرة ومتداخلة مع مجالس أخرى؛ فمثلا الفقرة( ط ) والتي تتعلق بتحديد أعداد المقبولين من الطلبة في حقول التخصصات المختلفة بالجامعات فهي مناطة في القانون بمجلس الأمناء، لكن في الواقع يمارسها مجلس التعليم العالي وهيئة الاعتماد وفقا للمصلحة الوطنية، وكذلك الفقرة (و ) التي تتعلق بتحديد الرسوم الدراسية، وهذه الفقرة أيضا تعتبر مسالة وطنية وحساسة ويكون لمجلس التعليم العالي رأيه الحاسم بها، ويمكن قياس العديد من الفقرات على ذلك.
خلال جائحة كورونا ظهرت الحاجة إلى إعادة النظر في الفقرة (د )من المادة (21) من قانون الجامعات والتي تتعلق بسن عضو هيئة التدريس والتي نصت ألا يزيد عن سبعين عاما، ويبدو من المناسب ضخ دماء جديدة في الجامعات الأردنية، قادرة على مواكبة التطورات التكنولوجية، وفتح فرص عمل لخريجين من جامعات مرموقة، فالملاحظ خلال الجائحة عدم قدرة البعض على استخدام أساسيات علم الكبيوتر أو أساسيات مواقع التواصل الاجتماعي مثل القص واللصق وغيرها من المهارات البسيطة، حتى أنّ البعض لم يستطع الدخول إلى تطبيق لإعطاء محاضرة للطلبة، ويأتي لجامعته ليساعده الفنيين في استخدام التطبيق من داخل الجامعة، رافق ذلك عزوف عن الالتحاق بالدورات والورشات التي تنظمها الجامعات لتمكينهم من مواكبة تطورات التعليم الإلكتروني، مشفوعا بأنّ من دخل بيت أبو سفيان فهو آمن.
وتبدو إشكالية أخرى تتمثل في الرتب الأكاديمية ودورها في صناعة القرار والإدارة، فكما نعلم أنّ عمل الجامعات من مجلس القسم وحتى مجلس التعليم العالي يتوقف على الكفاءة والقدرة على تنفيذ الأهداف المتوخاة، ولا تعد الرتبة الأكاديمية معيارا للكفاءة والقدرة فقط، وقد أصاب المشرع الأردني حينما اشترط الدرجة الجامعية الأولى – باستثناء فئة الأكاديميين- للتمثيل في أعلى مجلس في الجامعة وهو مجلس الأمناء، وترك الباب مفتوحا لضم الكفاءات والخبرات، ولعل جل صناع القرار و المشرعين في وطننا ممن درسوا في الجامعات الغربية ذات التصنيف العالمي الذي نسعى جميعا لبلوغه، يدركوا أنّ إدارة بعض الجامعات هناك يشغلها حملة بكالوريس، ومن منطق الأمور تكون الإدارة للكفاءة وليس للبحث العلمي؛ ذلك أنّ البحث العلمي في جامعاتنا يشكل جزء من رسالة وهدف الجامعة، ومع ضرورة الأعتراف بأنّ ابحاث الترقية في الجامعات لا تشكل دلالات عميقة في مسيرة البحث العلمي الأردني، خاصة في التخصصات الأنسانية، وإذ كانت بالمجمل تشكل أية فائدة فمن المهم رؤية نتائجها على أرض الواقع، وإذ ما تحدثنا عن الخبرة وسنواتها، فهنالك الكثير من الأساتذة المساعدين والمشاركين يمتلكون خبرة طويلة، ولكن تقاعسهم البحثي حال دون وصولهم لرتبة الأمتيازات والأعتبارات والسلطة، إضافة إلى أنّ المشاحنات والمنازعات التي ترافق إجراءات الترقية صارت سببا رئيسا لبيئة جامعية غير صحية، وعزوفا عنها، وإذا ما عملت القوانين على النظر لمقياس الكفاءة والقدرة بعيدا عن الرتبة الأكاديمية، فأنّ ذلك قد يسهم بتجويد مخرجات التعليم، ويعطي تمثيلا عادلا لجميع أعضاء الهيئة التدريسية، وتكفي الزيادة المالية لتحفيز أعضاء الهيئة التدريسية على البحث العلمي والترقية، بعيدا عن السلطة والإدارة، وفي مقاربة بين هذه المسالة ومسألة أخرى يحدثني وزير سابق راحل ( رحمه الله) وكان عضوا في صياغة مسودة قانون الجامعات عام ( 2009)، أنه تم إقرار مادة تسمح بجمع الراتب التقاعدي مع راتب عضو هيئة التدريس في الجامعة، وأردف بكل وضوح وصراحة أنّ هذه المادة جاءت ليستفيد منها علية القوم عندما يتقاعدون من وظائفهم ويلتحقون في الجامعات، وهنا يتوجب التفريق بين نص قانوني يراعي المصلحة الوطنية ونص آخر يمنح امتيازات شخصية، وأن العمل الجامعي تكليف وليس تشريف.
وخلاصة الأمر أنّ القوانين الناظمة للتعليم العالي وما يتبعها من أنظمة وتعليمات باتت محل مراجعه تعديلا أو تغييرا، لتراعي هيكلة المجالس المتعددة، وتحديد صلاحيتها بدقة ووضوح ولضمان عدم التداخل فيما بينها، ويكون لكل مجلس صلاحيات قابلة للتنفيذ مع تقليص صلاحية (التنسيب والتوصية)، ومن الأهمية توحيد الأنظمة المختلفة للجامعات، فنحن في وطن لا تتجاوز مساحته (100) الف كيلو متر مربع، ونرى التباين واضح سواء في المكتسبات المادية أو مواد الأنظمة التي تسيّر البيئة الجامعية، وضرورة إقرار الأنظمة والتعليمات مباشرة بعد إقرار القوانيين، فبعض الجامعات لا زالت تعمل بأنظمة وتعليمات مشتقة من قوانيين جامعات وتعليم عالي قبل عشرين عام، ويأتي نص القانون الجديد (الحالي) متعارضا مع النظام القديم الذي بني على قانون قديم محل اجتهاد ورؤى شخصية غير عادلة، و ضرورة إعطاء الفرص لجميع أعضاء الهيئات التدريسية في المجالس المختلفة وحسب الكفاءة والقدرة، ويأتي صياغة قوانيين عصرية للجامعات والتعليم العالي بعيدا عن القص واللصق من قوانين سابقة، أو إدخال كلمات قليلة على النصوص من الضرورة ؛ ذلك أنّ قطاع التعليم العالي زاخر بالكفاءات القانونية والعلمية والإدارية والتربوية القادرة على صياغة قوانين تفي بحاجة الوطن والمواطن وتسهم في رفعة التعليم العالي الأردني وتجوده، وقد يرى البعض أنّ القانونان المشار لهما لم يمض عليهما أربع سنوات، وهنا القول أنه تم تعديلهما عام 2019 وقبل مرور عام، وكان التعديل لمعالجة اختلالات ظهرت في بدايات تطبيق القانونين ولعلها ارتبطت باختيار رؤساء مجالس الأمناء وأعضاؤه أكثر من ارتباطها بنصوص القانوين؛ فكان أن ظهر آنذاك خلاف بين رئيس مجلس أمناء ورئيس جامعة، وبين مجلس التعليم العالي ورؤساء بعض المجالس لتغيير رؤساء جامعات، فجاءت التعديلات على عجل، وطلب وقتها الوزير صفة الاستعجال لتعديل القانونين، إلا أنّ أنشغال الوزير بقضية أخرى، ورحيله على أثرها مباشرة حال دون تنفيذ التعديلات المقرة على أرض الواقع ، فبقي من بقي ، وغادر من غادر، وأفضت التعديلات لتحويل أمر رئيس الجامعة من مجلس الأمناء إلى مجلس التعليم العالي تعيينا أو تجديدا أو اعفاء، ومثل ذلك لمجالس الأمناء ذاتها.