عندما طرق رئيس الاتحاد السوفييتي الأسبق نيكيتا خورتشوف بحذائه على طاولة الهيئة العامة للأمم المتحدة 1960، لم ينبس قادة العالم ببنت شفة، ضحك البعض، واكفهرت وجوه البعض الآخر، ولكنه أوصل رسالته كقطب أعظم أمام القطب الغربي الذي تمثله الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيون وبعض الدول المتناثرة، حينها لم تستطع أي دولة أو قائد أن ينتقد فعلته، لأنه القوي، وبعد أكثر من عقدين جاء ميخائيل غورباتشوف الذي تقرب من الغرب عن طريق بريطانيا، حتى اتخذ قراره بتفكيك الكتلة الشيوعية، وأعاد الجمهوريات كاملة أو مجتزأة لحضن الغرب الاوروبي، وبعد أقل من عقد تزعم فلاديمير بوتين حكم روسيا الممتدة، رئيساً للحكومة ورئيسا للبلاد، مقتديا بالتاريخ السوفييتي.
الغرب لعب دور قاضي الطلاق، فشكوى اوكرانيا تم دعمها بناءً على وعود تنكرت لها دول أوروبا وأميركا، فيما لعبت روسيا بوتين دور الزوج العنيد، وعند أول جلسة مفاوضات للصلح وقعت الواقعة، ومهما حدث خلال الأسبوعين الماضيين فإن العالم بات مشاركا في مأساة جديدة وهي اضطراب الأسواق وغلاء المواد وانقطاع سلاسل الإمداد، فيما العالم العربي ينظر بعين واحدة لما يحدث ويترقب نهاية الحرب التي ستطول على ما يبدو، ولكن ليس بيده أي حيلة، خصوصا عندما انكشف الغطاء الغربي، ليتضح أن الغرب يريدون معاقبة روسيا عن طريق أوكرانيا، ومن هناك تب?أ حرب بالوكالة من جديد.
الحرب بالوكالة باتت تستقطب مقاتلين عرباً، و من المؤكد أن بداية طلائعهم قد وصلت اوكرانيا، ولحقهم آخرون الى روسيا، رغم أن ليس لهم بيضة ولا دجاجة عند الطرفين، ولكن الأخطر هو طلب رئيسي الدولتين من المقاتلين العرب الانضمام الى معارك الطرفين، وليس العرب فقط بل من الأوروبيين والهنود واليابانيين واللاتينيين، وقد أكدت مصادر موثوقة أن مقاتلين عربا وسوريين التحقوا بنداء الجهاد العالمي، وذلك بعد عقد كامل على الحرب السورية وأكثر من عقدين على حرب العراق، وهذا يستدعي الاستنفار من قبل أجهزة المخابرات لمتابعة ما يحدث، فقد ?كون النتيجة في المستقبل المزيد من الثوار الأمميين الذين سيعودون الى بلادنا، أو ينبتون بيننا كالأشواك.
ترى ما الذي يدفع تلك العناصر المقاتلة للذهاب الى دولتين لا تمتان لهم بصلة، والدولتان لديهما من السكان والجيوش ما يكفيهما لمقاتلة بعضهم لعشر سنوات قادمة، في المقابل نرى كيف هرب أكثر من مليوني مواطن أوكراني الى دول الاتحاد الأوروبي خلال الاسبوعين، غير عابئين بما سيحصل لبلدهم، فيما الصراع في سوريا استمر حتى اليوم ولم تستقبل أوروبا والدول الغربية سوى القليل ممن حالفهم الحظ للوصول بسلامة، ولم يتم إحصاء أعداد الوفيات غرقا في القوارب المهاجرة، فيما فتح الأردن ولبنان حدودهما للأشقاء رغم ما يعانيانه من شح في مواردهما.
اللعبة الدولية القذرة ما زالت مستمرة، لا يردعها حرب هنا أو صراع هناك، وفي النهاية ظهرت الصورة واضحة، وبتنا نفهم ولو قليلاً كيف يتم تنظيم المقاتلين العرب في حروب لا دخل لهم فيها، وكيف يتم نقل المرتزقة من بلد الى بلد، من افريقيا نحو ليبيا، من دول محيطة الى العراق، من إيران ولبنان ودول أخرى الى اليمن وسوريا، في متوالية لا تنتهي على مر الأزمنة، تماما كما كانت لبنان خلال الحرب الأهلية التي استقطبت عناصر كثيرة، فجاء الجيش الأحمر الياباني حتى قوات الجيش الإيرلندي والمليشيات من كل صوب وحدب، وهذا ينبئ اليوم أن أي د?لة يمكن استهدافها بسهولة تحت غطاء دولي.
هذا الأمر جداً خطر، فعندما قاتل العرب الأفغان ضد الاتحاد السوفييتي في افغانستان، أسسوا «القاعدة» كجبهة قتال أداخت العالم، وكانت الولايات المتحدة تمدهم بالسلاح والمال عن طريق حلفائها، وانتزع سيناتور أميركي قرارا بتزويدهم بصواريخ ستينغر التي عززت هزيمة القوات السوفييتية، وهذه الصواريخ اليوم في أيدي المرتزقة عند كلا جانبي الصراع، وهذا بالطبع يؤشر إلى أن الدول الكبرى تستطيع إشعال الحروب الأهلية في أي لحظة تريدها، وعلينا أن نتخذ احتياطات عالية المستوى خشية دخول مواطنينا ضمن صراع الجبابرة، فيبدو أن العالم الحرّ قد فقد عقله، والنتائج ستبدو وخيمة إن لم ننأ بانفسنا عن ذلك الصراع المحسوب بدقة.
Royal430@hotmail.com
الرأي