من غير المعقول ان يتحزب الشعب كله، او ان ينتمي كل من بلغ الثامنة عشرة الى الأحزاب حتى تكون هناك حياة حزبية، وحتى في اعتى الدول التي حكمتها الأحزاب كان الانتماء الحزبي ضئيلا ولا تتجاوز بحده الاعلى 5%. ولكن الاهمية تكمن في ان يتحول الصوت الانتخابي الى صوت حزبي. وهذا ما يوفره قانون الانتخاب القادم في الأردن، حيث ستكون الانتخابات البرلمانية القادمة مخصصة المقاعد فيها بنسبة الثلث للاحزاب، وفي التي تليها تبلغ النسبة النصف، وفي الانتخابات الثالثة تكون 65% ما عدا الكوتات، وبالتالي يصبح الصوت الانتخابي صوتا حزبيا بموجب القانون، ويصوت الشعب للاحزاب.
وهذا انجاز ونقلة سياسية كبيرة تضع الأحزاب في دائرة مسؤولياتها الوطنية، وتحولها من احزاب تعيش على هامش الحياة السياسية الى الية انتخابية تدير العمل السياسي في البلاد ، ويصبح دورها توليد النخب السياسية، والدفع باجيال من السياسيين الى بوتقة العمل العام ، ولتتحول الاغلبية البرلمانية الى اغلبية حزبية. وهذا يضع الأرضية المناسبة للحكومات البرلمانية ، حيث الحكومات تشكلها الأحزاب الفائزة في الانتخابات سواء اكان حزبا بمفرده او ائتلافا حزبيا.
والأحزاب مدعوة اليوم الى اقتناص الفرصة الكبيرة السانحة وان تسفر عن برامجها والتي تغطي جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وعليها ان تتوخى انجاح التحول الديموقراطي الذي يخدم تطلعاتها المشروعة، وان تكون حاضنة للعمل السياسي، وتستقطب خيرة الشباب الأردني للانخراط في صفوفها، ورفدها بالكفاءات والقدرات ولضخ الدماء الجديدة في شرايين الحياة الحزبية.
فالأحزاب التي شاخت في الماضي، وقد توقفت لعقود عن استقطاب الشباب الذين هم عماد الأحزاب، وعزفت القوى والفعاليات المجتمعية عن الالتحاق بها لكونها كانت مهمشة وملاخقة من بعض الحكومات وهو ما جعلها غير فاعلة في الحياة السياسية وقد ساهمت حكومات كثيرة في تعثر الحياة الحزبية ودفعها الى خلف المشهد السياسي او وضعها في دائرة الاستهداف والتناقض مع الدولة وأهدافها الوطنية. وهي اليوم امام تحدي العودة مجددا بداعم كبير من قانون الانتخاب الذي يخصص مقاعد البرلمان لها بالتدريج، وخلال اقل من عشر سنوات ، ولتكون فرزا حزبيا خالصا من خلال قوائمها التي تتشكل وطنيا، وتعبر عن التنوع ، وتكرس المواطنة وصولا الى التعبير عن الشكل الأقرب للفهم الدستوري لدور النائب في التشريع والرقابة. ولتكون الأغلبية البرلمانية مقررة لشكل الحكومات، وحاملة لبرنامجها الممثل بالضرورة للشرائح الاجتماعية المختلفة التي ادلت باصواتها على أساس حزبي. أي صوتت لبرنامج حزبي، وعبرت عن دعمها له.
ولذلك فعلى الأحزاب ان تصوب وضعها وفق القانون و لتكون مؤهلة لاستقبال التحول الكبير في الحياة السياسية، وحتى وان اختلفت مع بعض بنودة وخاصة فيما يتعلق بعدد المؤسسين و لتشكل الشروط التي جاء بها القانون محفزا لها على الاندماج، وتتحول الساحة الحزبية الى ورشة عمل كبيرة، ومتواصلة في سبيل اظهار برامجها من جهة، ومن جهة ثانية ان تصل الأحزاب المتشابهة الى صيغة وحدوية تفرضها المصلحة العامة، وبالتالي تظهر على الساحة أحزاب قوية قادرة على قيادة المشهد الوطني العام.
الأحزاب اخذت دفعة كبيرة تلقتها من قانون الانتخاب الذي منحها على التوالي مقاعد مجلس النواب، وحول الصوت الانتخابي الى حزبي، وقانون الأحزاب قدم لها الضمانات والحماية الكافية لحرية العمل الحزبي القانوني ولاعادة تأهيل وتنظيم الحياة الحزبية ، وتمكين الشباب في الجامعات من الانخراط بالاحزاب دون مساءلة قانونية.
ولذلك فعلى الأحزاب التي عانت لعقود من الاستبعاد ان تنجح اليوم امام التحول الكبير في الحياة السياسية ، ولتظهر قدرتها على قيادة العمل الوطني، ولتتحول الى صلب ومركز العملية السياسية، وهو ما يدفعها نحو العمل الجاد، والانفتاح على الآخر والشروع بعملية استقطاب كبرى لدماء شابة جديدة، بعد ان تكون نجحت أولا باحداث عملية اندماج بين المتقارب والمتشابه منها ، وهذا اول الطريق.