الإصلاح الإداري بين الرغبة والقدرة
د.سالم الدهام
12-03-2022 01:50 AM
الإصلاح الإداري عنوان عريض ومهم من أجل دفع مسيرة العمل والإنجاز والتقدم إلى الأمام،ويتم ذلك عبر ترجمة السياسات والبرامج العامة وفق الغايات والأهداف التي وضعت من أجلها، وتحتاج الترجمة العملية لتلك السياسات والبرامج العامة إلى أجهزة إدارية نزيهة وكفؤة، مؤهلة وقادرة على تحمل المسؤولية، ولديها آليات تنفيذية واضحة،وهذا أمر تفتقده بعض المؤسسات التي تيَسَّر الاطلاع على سيرورة العمل بها عن قرب.
في العمل الإداري العام ثمة مشكلة خطيرة، وهي ما يعبر عنها الكثيرون ب "االلوبيات" وهي تضييق دائرة تفعيل المجاميع البشرية في المؤسسات العامة إلى الحد الذي يسمح باستبعاد من لديهم وجهات نظر أخرى مختلفة، بل وربما محاصرتهم وتهميشهم، ودفعهم إلى الزهد في العمل والاكتفاء بمراقبة المشهد بصمت.
ومن ثم فإن الدوائر الضيقة القريبة من الإدارات العليا وربما المتوسطة كثيرا ما تتشكل في ظروف غير صحية، وهي بهذا تلغي مفهوم تكافؤ الفرص، وتحرم الدوائر والمؤسسات من خبرات نوعية وناضجة ، وغالبا ما تستمر دوائر اللوبي في السيطرة على المشهد بسبب ما تمتلك من قدرة عالية على التحور والتمحور كفيروس كورونا لتظلل راس الهرم في المؤسسة،لطول مقامها في المفاصل المهمة في الدورة المالية والإدارية، وغالبا ما تَعْبُر بسلام مع كل تغيير، لتصبح عابرة للحدود، وعنوانا للصمود.
استجابة القيادات الإدارية للتحديات وقدرتها على إدارة الاختلاف وتطبيق القيم الإدارية العليا المتمثلة بالأمانة والنزاهة والشفافية والحوكمة والإنجاز غالبا ما تخضع وللأسف الشديد لمعايير تتصل بتحقيق مكاسب شخصية تتلبس لبوسا قانونيا وتتكيف تكييفا إداريا ولا أروع من ذلك، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، وهي في جانب آخر تخضع أحيانا لحسابات من خارج حدود إدارة المؤسسة لتنفتح على المحسوبية والصداقات والتكتلات المهنية والجهوية والفئوية.
بعض من يقودون المؤسسات العامة ويتربعون على قممها يستمرؤون ويستسهلون أن تسير القوافل على الدروب السهلة (الممشي عليها) مخافة السقوط من فوق السراط؛ فتظل رغباتهم بالتطوير والتغيير وفك الشبكات المشفرة والمغلقة حبيسة صدورهم إلى أن يرحلوا، وهكذا تدور السواقي وتظل الجوقة تعزف على ألحان بروبوغاندية إلى أن تصاب الثيران بالدوار.
ولكي تتغير الأوضاع نحو الأفضل لا بد من أن يؤمن القادة الإداريون بالحوار والإصغاء أكثر من الأحاديث المستهلكة حول نواياهم التي يزعمون أنها طيبة، ومن ثم ترجمة التنوع والتعدد، وتعظيم قيم الإدارة الرشيدة، وفتح قنوات التواصل، وتوسيع قاعدة اتخاذ القرار عمليا وبعيدا عن التنظير والمجاملات، وبعيدا عن الاستجابة لقواعد الكيمياء في العمل الإداري العام، ذلك أن الإدارة الكفؤة الرشيقة تعد جزءا لا يتجزأ من مدخلات التنمية الشاملة بما تحققه من تقديم خدمات وسلع على مستوى عال من الجودة وبكلفة معقولة تحول دون هدر الموارد الشحيحة بلا طائل.