الحوار البنـّاء أم منطق «الاستعداء»؟!
حسين الرواشدة
11-08-2010 04:27 AM
حين يغيب منطق الحوار ، يسود منطق "الاستعداء" ، وحين تتراجع فضيلة "الانصاف" تتقدم عقلية "افحام الخصم" ، وحين نغسل ايدينا من موروثنا القائم على الانجاز والتواضع نفتح اعيننا على واقع تزدحم فيه صور الاستعلاء التي تدور في اطار من الفراغ.
امس ، سألت اساتذة التربية وعلم النفس عن "الحكمة" من انشغالنا "بالخطأ" واستماتتنا للدفاع عنه وتبريره ، وتسويغه لانفسنا حتى تقبله ، قال لي الرجل كلاما طويلا عن اقتصاد مجتمعاتنا للحكمة وعن الارتجالية التي مارسها في حساباتنا ، وعن "الانحدار" الجنوني الذي اشار اليه احد علماء النفس ، هذا الذي لا يمكن للمحلل ان يفهمه او يتعامل معه ، على عكس المرض الجنوني الذي استطاع العلم ان يحدد اسبابه ويهتدي الى علاجه.. اضاف الرجل بان ثمة قوانين اخرى تساعدنا على فهم هذه الحالة ، وهي قوانين الكون الثابتة التي تفرض منطق "تعمد" الخطأ والاستمرار فيه لتكشف بالتالي عن البديل ، قلت له: اذن "لازم نخطئ" حتى تفاجئنا الكاشفة؟ قال: احيانا تفكر طويلا.. وطويلا جدا في خياراتنا ومقرراتنا ويتبين لنا بحساباتنا انها خاطئة او غير مجدية ، ولكننا نصر عليها ونعتمدها ، لماذا؟ الجواب كما قلت: "لازم نخطئ" حتى تتغير الصورة.. ونطرق ابواب الحلول.. ونصل الى الحقيقة التي نريدها ، او الى العافية التي نبحث عنها.
فهمت من كلام استاذنا ان الاصرار على الخطأ وتعمده يخرج غالبا من رحم "الاستعلاء" ويتناسل فيلد "الاستعداء" ويتناسل مجددا فيلد ثقافة الكراهية والغاء الاخر وحينها نشعر جميعا اننا امام "حالة" غير مفهومة ، مرض جديد غير قابل للمعاينة ، ألغاز لا يمكن تأويلها او تفكيكها ، صراعات لا معنى ولا جدوى لها. جراحات عميقة في "الذات" تحتاج الى زمن طويل حتى تندمل ، صمت "مطبق" لا نعرف من اين جاء.. ولا متى سينتهي.
اشعر احيانا ان كثيرا من الامراض التي تعاني منها مجتمعاتنا لا تحتاج الى "ابداعات" سياسية بقدر ما تحتاج الى "ابداعات" نفسية ولا تحتاج الى منظرين في السياسة وانما الى خبراء في علم النفس والاجتماع ، واشعر في احيان اخرى بان ما ذكره احد الاطباء النفسيين عن التغيير الجذري في الصور التي عهدناها لامراضنا النفسية عما كنا نراه منذ عشرين او ثلاثين عاما ، يبدو صحيحا ، فنحن امام صور جديد لم نألفها تبدو احيانا على سطوحنا السياسية او الاجتماعية او الثقافية ، على شكل عنف غير مفهوم او مقررات غير مدروسة او خيارات غير معقولة ، عنف غير مفهوم او مقررات غير مدروسة او خيارات غير معقولة ، وتشابك تفاعلاتها واثارها واصدائها في دوائر وهمية يصعب تحديد اتجاهاتها او اسبابها او فهم رسائلها المشفرة.
ما الحل؟ هذا - بالطبع - سؤال صعب ، وانا اضعه في عهدة علماء النفس والاجتماع ، ومراكزنا التي ترصد حركة المجتمع وما طرأ عليه من تحولات ، ولكنني لم اجد وصفة عاجلة لتدارك اخطار "امتداد" من عدواه سوى وصفة "الحوار" نعم الحوار الذي دعوت اليه اكثر من مرة ، وانتصرت له في كل مناسبة.. الحوار المنتج لا المغشوش.. الحوار المفتوح الذي يرفض منعطف الاستعداء والاستعلاء وجدل "الطرشان".. امامنا خياران لا ثالث لهما: اما منطق الحوار البناء او منطق الاستعلاء والاستعداء.. واعتقد ان الاجابة لا تحتاج لمزيد من التردد والتفكير.. اليس كذلك؟.
الدستور