هل تحقق سياسات الحماية الاجتماعية في الأردن العدالة الاجتماعية؟
حياة الشوبكي
09-03-2022 04:56 PM
تعد الحماية الاجتماعية وبحسب منظمة العمل الدولية بأنها مجموعة من السياسات والبرامج المُصممة لتقليل ومنع الفقر والتهميش طوال دورة الحياة. ويتمثل جوهرُها في النهوض بأوضاع السكان من خلال مَنع أو إدارة الظروف التي تؤثر سلباً على حياتهم.
في الأردن، لا يمكننا أن نُنكر الجهود المبذولة من قبل الحكومة في إرساء القواعد الأساسية للحماية الاجتماعية منذ بداية تأسيس الدولة ولغاية يومنا هذا، مُتكللاً بإصدار الحكومة لعددٍ من الخطط والاستراتيجيات الوطنية ؛ من أجل توسيع برامج الحماية الاجتماعية كالاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية 2019-2025، والاستراتيجية الوطنية للحد من الفقر للأعوام 2013-2020، وإنشاء عدد من المؤسسات الرسمية مثل: مؤسسة الضمان الاجتماعي وهي المؤسسة الوطنية المسؤولة عن إدارة التأمينات الاجتماعية، وصندوق المعونة الوطنية الخاضع لإشراف وزارة التنمية الاجتماعية والذي يقدم مساعدات نقدية وعينية منتظمة لما يقارب 160.000 أسرة أردنية ولاجئين وغيرهم من غير المواطنين، إضافة الى صندوق الزكاة التابع لوزارة الأوقاف حيث يقدم مساعدات نقدية وعينية منتظمة.
الحماية الاجتماعية وتحقيقها لمبدأ العدالة الاجتماعية
حقيقةً يعتقد الكثيرون في الحماية الاجتماعية أنها تقتصر على مجموعة من الأدوات الفعالة للوقاية والحد من المخاطر والتخفيف من وطأة الفقر، غير أنّ كيفية استخدام هذه الأدوات في تحقيق التنمية المستدامة والعدالة في تطبيقها ليست بالموضوع السهل. يدفعنا ذلك الى تسليط الضوء على نهج الحماية الاجتماعية المطبق في الوقت الحالي والمنفصل نوعاً ما عن حقوق المواطنة والعدالة في توزيع الموارد، ومُنحاز بشكلٍ واضح الى مفهوم المساعدة والإنسانية أكثر منه في التنمية. ويظهر ذلك جلياً في دعم الفئات الهشّة والأكثر فقراً دون تقديم حل جذري في تحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي لهم لِتُصبح أوضاعهم من عِبء على الدولة الى أفراد مُنتجين وفاعلين. كما لا تشمل برامج الحماية الاجتماعية قطاع العمل غير المنظم ومن أهمّه وعلى سبيل المثال القطاع الزراعي.
كما يُشكل القطاع الزراعي من الأساسيات المُهمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في مناطق الريف والبادية، بالإضافةِ لكونه مَدخلاً من مداخل مُكافحة الفقر والبطالة عدا عن أبعاده البيئية ودوره في توفير الغذاء للسكان. ويُعد القطاع الزراعي في الأردن، من القطاعات ذات الأهمية بالرغم من تدني نسبة مساهمته في دعم الناتج المحلي الإجمالي حيث وصلت إلى 4.5٪ وذلك بحسب جدول مساهمة القطاعات الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول من عام 2021 والصادر عن دائرة الإحصاءات العامة، بالإضافة إلى انخفاض نسبة التشغيل للأيدي العاملة الأردنية في القطاع الزراعي حيث بلغت وبحسب منتدى الاستراتيجيات الأردني 1.7٪ من إجمالي حجم القوى العاملة، على الرغم من احتوائه على النسبة الأعلى من العمالة المحلية غير الرسمية مقارنةً بالقطاعات الأخرى، إضافةً الى افتقار جميع العاملين والعاملات فيه إلى الحمايات الاجتماعية.
فعدم شمولية برامج الحماية الاجتماعية لجميع القطاعات الأساسية كالقطاع الزراعي، وعدم شمولية جميع العاملين وتحديداً العاملين في قطاعات العمل غير المنظمة، يؤكد عدم كفاية أسس الحماية الاجتماعية الحالية المُطبقة في تحقيق العدالة الاجتماعية.
على مدى السنوات الماضية، لا يزال الأردن يكافح مع الزيادة الكبيرة في عدد السكان، والضغط على الخدمات والموارد البيئية، وتباطؤ النمو الاقتصادي وتزايد الدين العام، وتفاقم معدلات الفقر والبطالة، وقضايا اللاجئين الذي طال أمَدُه، والانخفاض المُطوّل في النشاط الاقتصادي. واثناء جائحة Covid-19 ظهرت المُشكلات في السياسات والبرامج، فكشفت الجائحة وبشكلً صارخ هشاشة برامج الحماية الاجتماعية المُقدمة، بدليل الارتفاع الواضح في الفقر والبطالة وارتفاع معدل العنف والجريمة، لا سيما ضد النساء، كما أظهرت خطط الاستجابة للجائحة صعوبة الوصول إلى مجموعات محددة من السكان، مثل: العاملين في الاقتصاد غير الرسمي، المتعثرين مالياً خلال الجائحة، الأشخاص ذوي الإعاقة، والنساء الضعيفات أو النساء المعيلات لأسرهنّ.
التوصيات:
ما سبق، يتطلب وضع قضية الحماية الاجتماعية أولوية في سلّم السياسات الحكومية، والتفكير مع الخبراء والمُختصين والجهات ذات العلاقة بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني في كيفية النهوض الشامل بالبرامج المُقدمة. لمعالجة اللامساواة وحماية جميع أعضاء المجتمع لا بد من تقديم نوعين من برامج الحماية الاجتماعية العامة والموجّهة، وتعديل مسار السياسات الاجتماعية بشكلٍ عام وسياسات الحماية بشكلٍ خاص وتصميمها على مبدأ تحقيق الأهداف التنموية والإنسانية في آنٍ واحد، والعمل على إصلاح الأسس الهيكلية الاقتصادية والاجتماعية التي تستند عليها، وأن تنطلق من مبدأ المساواة والإنصاف والحقوق والمُشاركة. لابد ان تشمل برامج الحماية الاجتماعية مبدأ التمكين والتشغيل، وتقديم برامج التدريب المهني الى جانب المعونات العينية والنقدية؛ للاستغلال الأمثل للموارد البشرية والحفاظ على رأس المال البشري لجميع المواطنين والمقيمين وزيادته حتى يتمكنوا من المساهمة في النمو الاقتصادي مع تقليل الحاجة إلى النفقات المالية. ومن الضروري الانتقال من الجمود الى المرونة في برامج الحماية الاجتماعية المُقدمة؛ بما يضمن فعاليتها خلال الأزمات، وليكون لها تأثير مستدام وطويل الأجل، مع إضافة برامج حماية اجتماعية جديدة كحُزم تعويضية لفاقدي العمل خلال الجائحة؛ لتصبح أكثر استجابة مع تداعيات الجائحة، وإنشاء شبكات أمان للتخفيف من حِدة الصدمات الاقتصادية، واتخاذ تدابير جذرية لاكتشاف ومعالجة الثغرات الهيكلية التي تؤدي الى الفقر.
* باحثة العدالة الاجتماعية في معهد غرب آسيا وشمال افريقيا
http://wanainstitute.org/ar/staff/hayat-al-shoubaki