في كل مرة يتسلل إلى العقل الأردني أن التجار باتوا أقرب إلى مفاهيم النزاهة في التعامل مع المستهلك الأردني, تأتي حادثة أو واقعة لتؤكد عكس ذلك, رغم أن الشارع الأردني كله يتحدث بمفارقة أردنية عجيبة, تخالف كل منطق تجاري, فارتفاع الأسعار يتم بسرعة الصاروخ, وهبوط الأسعار يشابه السلحفاة في مشيها, آخر الوقائع الصادمة, هي انعكاسات الحرب في أوكرانيا على أسعار السلع الأردنية, علماً بأن حجم التبادل التجاري بين أوكرانيا والأردن لا يتجاوز حاجز الـ7%, فلماذا ارتفعت اسعار 93% من السلع؟
سؤال ليس برسم القلق فقط, بل برسم الأرق أيضاً, من تراخي وزارة الصناعة والتجارة والتموين في تفعيل المادة التي تُجيز لها وضع سقوف سعرية, فالوزارة تعتمد خطاب التجار وتعيد ترديده على وسائل الإعلام, وحتى لا يتحاذق أحد علينا, فإن أسعار الشحن العالمي مرتفعة منذ وباء كورونا ولم تتأثر كثيراً بالحرب الروسية- الأوكرانية, وكذلك مدخلات الإنتاج, وهنا لا أتحدث عن ارتفاع الأسعار بسبب الجائحة بل اتحدث عن الاسعار المرتفعة لأسباب الحرب في القارة العجوز.
ظاهرة مقلقة عدم قدرة وزارة الصناعة على ضبط السوق, ولديها ذراع تجارية تمتلك نوافذ بيع مباشرة للجمهور, فهل ارتفاع الزيت مثلاً جرى لأسباب الحرب, وهل الكميات الموجودة في المخازن وصلت مع هدير القذائف, أم أنها مخزنة في المستودعات؟ وهل نستورد الزيت كما بعض الأسر العفيفة التي تشتري الزيت بالليتر الواحد؟ علماً بأن الزيت ارتفعت أسعاره بفعل الجائحة, وتفهم المستهلك الأردني ذلك, لكن ما يجري اليوم في الأسواق مثير للقلق والريبة, ويدفعنا للسؤال عن دور وزارة الصناعة والتجارة لضبط السوق ليس عبر الأدوات العرفية أو التاميم، رغم أن هذا الأمر يجب أن يكون حاضراً, بل نطالبها بضبط السوق من خلال أدوات تجارية بحتة عبر ذراعها التجارية المؤسسة المدنية وبالتعاون مع المؤسسة العسكرية..
فالتاجر إذا أحسّ بالمنافسة الحقيقية سيقوم بتعديل الأسعار, وإذا أحسّ أكثر بالرقابة على تاريخ الصلاحية سيقوم بتقديم العروض كما رأينا ونرى في الأسواق الكبرى والمخازن متعددة الفروع, ويجب أن يستشعر التاجر بـ"العين الحمرا", ونحن على أبواب شهر فضيل, وكذلك نحن على أبواب نسبة تضخم عالية إذا طال أمد الحرب وارتفعت أسعار النفط إلى أرقام قياسية, وهنا وجب الاعتراف بأن الإقدام على مشروع العطارات كان خطوة استراتيجية, سنرى محاسنها في قادم الأيام, ويجب توجيه الشكر لمن قام بالمشروع واخرجه إلى الحياة.
منذ العام 2008 عادت الحكومات إلى دورها الاقتصادي, في دول قائمة على تحرير السوق وعلى قواعد رأسمالية راسخة, فما بالنا نحن ما زلنا نتلكأ في الدخول بقوة إلى الأسواق لرسم وفرض سياسة تمنع التغول والاحتكار, وإذا استشعرنا بخلل, تقوم الوزارة بالتدخل المباشر بالاستيراد والبيع المباشر, حينها فقط سيعلم التاجر أن مخازنه ستتحول إلى ملعب للقوارض والحشرات.
معادلة «السوق يضبط» نفسه التي أهلكونا فيها جماعة الليبرالية المتوحشة, ليست صحيحة, بل وخاطئة في بلد لم يصل إلى الاكتفاء الذاتي في أي سلعة حيوية, فالسوق يضبط إيقاعه وخطوته على كاهل الطبقات الوسيطة والفقيرة, وهذه الطبقات تحتاج إلى حماية, وواجب الدولة حمايتها والحفاظ على مصالحها..!
(الرأي)