التعامل السياسي في مجال العدالة الدولية
المحامي د. يزن دخل الله حدادين
08-03-2022 07:48 PM
يتمحور المقال هنا حول مفاهيم تكتسب أهمية بالغة في الوضع الدولي المعاصر مثل مفهوم القضاء الدولي وسيادة القانون على الصعيد الدولي والعدالة الدولية. هنالك العديد من التحديات الكبيرة التي تواجه العدالة الدولية من قِبل سياسات قوى التوازن الدولي التي تمارسها الدول الكبرى والتي تُشكّل تحالفات دولية في مواجهة تحالفات دولية أُخرى. لابُد أنه يوجد أُسس قانونيه للعدالة الدولية ويجب فهم كيفية تطبيقها في سياق دولي يتسم في واقع الأمر بفرض املاءات قوى التوازن الدولي واستغلال القضاء الدولي لتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية على حساب تعايش الشعوب. وهنا يَكمُن أهمية البحث في امكانية سيادة القانون على الصعيد الدولي بعيداً عن التدخلات عند معالجة قضايا الصراعات العسكرية.
هنالك محكمتان دوليتان في مدينة لاهاي الهولندية، الأولى هي محكمة العدل الدولية، والثانية هي المحكمة الجنائية الدولية. والمحكمة الأولى هي محكمة تابعة للأمم المتحدة وهي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة ومجال اختصاصها هو النزاعات التي تنشأ بين الدول كالنزاعات حول الحدود والمياه والأراضي وغيرها. أما المحكمة الجنائية الدولية فهي محكمة تختص بالجرائم التي يرتكبها الافراد وهي جرائم يحددها نظام روما، وهي محكمة مستقلة تماما على الرغم من اتفاقيات التعاون التي تربطها بالأمم المتحدة ومجلس الامن، وهي منظمة دولية دائمة تسعى إلى وضع حد للثقافة العالمية المتمثلة في الإفلات من العقوبة. وتعمل كلا المحكمتين على تعزيز مفهوم العدالة الدولية.
من حيث المبدأ تعني العدالة الدولية ضمان المساءلة عن أكثر الجرائم خطورة ومثال على ذلك جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والتعذيب وحالات الإخفاء القسري. وهناك العديد من العوامل التي تحرم ضحايا هذه الجرائم من العدالة الدولية الإنسانية ومنها انعدام الإرادة السياسية للتحقيق في مثل تلك الجرائم ومقاضاة المسؤولين عن ارتكابها. هذا المفهوم واسع وعميق وهو منهج أخلاقي يهدف الى الحدّ من ظاهرة الإفلات من العقاب للحفاظ على الاستقرار والسلام الأهلي داخل المجتمع وبين الدول لإحقاق الحق وفرض القانون وتحقيق العدالة باعتبارها الضمانة لحماية المجتمع وسلامته.
تفرض الموجة الحالية للنزاعات المسلحة تحديات جسيمة أمام نظام العدالة الدولية المتعثر أصلاً. فطبيعة هذه النزاعات تضع جملة من العقبات أمام محاولات وضع مرتكبي الجرائم ضد المدنيين على طريق العدالة. وفي الحقيقة هناك جملة من المآخذ العملية على أداء المحاكم الدولية تتمثل في التأثير السياسي. ولكن يوجد العديد من التحديات التي تواجهها تلك المحاكم الدولية في ظل الحروب الجديدة ومنها تعددية الأطراف وانكار المسؤولية حيث أن تعدد الأطراف يُشكل تحدياً في معرفة هيكل الأفراد المنضوين تحت لواء واحد وهنا ينمو مفهوم إمكانية انكار المسؤولية المباشرة لدولة ما. كما أن امتداد الحروب جغرافياً واتساع ميدان العمليات العسكرية يشكل عائق أمام معرفة الأفراد المتورطين في ارتكاب الجرائم.
بالرغم من جميع التحديات التي تواجه مبدأ العدالة الدولية لا بد على صُنّاع القرار احترام سيادة القانون الدولي والعدالة والمساواة على الصعيدين المحلي الدولي، ولا بد أن تكون المحاكم هي الملاذ الآمن لكل من يدّعي بالحق أو بالظلم. ان وظيفة القانون هي تحقيق العدالة الاجتماعية (محلياً ودولياً)، ومفهوم العدل ذاته مرتبط بمفاهيم أخرى كالحق، والحرية والمساواة. للتوضيح وعدم سوء فهم هذا المقال، نحن لا نعني هنا دولة ما بحد ذاتها بل نسعى لتعزيز ما أدركه الانسان في مسيرة الحياة البشرية وهو ضرورة وجود قوانين لأن غيابها يعني بكل بساطة الفوضى، واهتمام الانسان بالقانون ضرورة لاستمرار الحياة البشرية حيث أن القانون يساعد المجتمع الدولي على حفظ الأمن وتحقيق الاستقرار. ولتحقيق هذه الغاية يجب أن يُطبق القانون الدولي على جميع الدول وأن يكون القانون فوق الجميع وأن تكون الجهة القائمة على تنفيذ القانون الدولي مستقلة ولا تخضع للتأثيرات السياسية أو الاستغلال من قِبل بعض الدول التي يمكنها ممارسة التأثير في سير العدالة.
ختاماً، إن تعزيز سيادة القانون على الصعيدين المحلي والدولي هو في صميم مهمة المحاكم الدولية، وإن ترسيخ احترام سيادة القانون أمر أساسي لتحقيق سلام دائم في أعقاب النزاعات ولحماية حقوق الإنسان وتعزيز التقدم الاقتصادي. وفي هذا النطاق أُشير الى مقولة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم في ورقته النقاشية السادسة المخطوطة بتاريخ 16 تشرين الأول/أكتوبر 2016 ما يلي: "وعندما أرى اليوم الحالة المروعة والمحزنة للعديد من الدول في منطقتنا، أجد من الواضح أن غياب سيادة القانون والتطبيق العادل له كان عاملاً رئيسياً في الوصول الى الحالة التي نشهدها."