تصاعد وتيرة الاحتجاجات العمالية في الاردن خلال السنوات القليلة له مضامين عديدة مرتبطة في السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومات حينها, بعد انهيار الدينار سنة 1989 وادارة الاقتصاد الوطني تحت مظلة صندوق النقد الدولي, من خلال ما اصطلح على تسميته ببرامج التصحيح الاقتصادي التي استمر العمل بها طيلة 14 عاما متواصلة.
الملاحظ ان جميع الاحتجاجات العمالية ظهرت مع تنامي برنامج الخصخصة لمؤسسات وشركات الدولة من تعدين وطاقة وخدمات وصناعة.
والمتتبع لظاهرة الاحتجاجات التي تنامت بشكل متزايد في الاونة الاخيرة يرى انها جرت فور ابرام صفقات الخصخصة, لانه تبين للعمال في تلك الشركات ان تلك الصفقات لم تعط لهم الضمان والامان الذي كانوا يشعرون به وهم عاملون تحت ادارة الحكومة لشركاتهم, بل على العكس تماما فقد اعطي المستثمر الاجنبي او المالك الجديد حق تسريح العمال تحت بند ضبط النفقات واعادة تبويبها مقابل حوافز مالية سريعة تمنح للعمال الذين سرعان ما يجدون انفسهم خارج العمل, وكان المثال على هذا الاسلوب واضحا في شركات التعدين التي كانت مليئة بالعمال ضمن سياسة التشغيل التي اتبعتها الدولة حينها, الامر الذي لا يعجب المستثمر, فالابعاد الاجتماعية والاقتصادية التي كانت الحكومات تأخذها بعين الاعتبار اثناء تملكها للقطاع غير موجودة لدى المالك الجديد الذي يتطلع في النهاية الى استرداد امواله المستثمرة بسرعة وتحقيق ارباح كبيرة وهذا لا يتم الا من خلال زيادة الانتاج وضبط النفقات الذي عادة ما يكون المستهدف فيه الشريحة العاملة في المجتمع.
ايضا عدد من تلك الاعتصامات كان سببه بعض سياسات الحكومات تجاه مشكلة البطالة التي اعتمدت سياسة الترحيل للازمات بدلا من التصدي لها, فعلى سبيل المثال لا الحصر وجود ما يقارب الـ 40 الف عامل مياومة منذ سنوات وعدم ادماجهم بالجهاز الاداري الرسمي واعتبارهم موظفي اعالة من دون ان تكون هناك خطة ادارية لتأهيلهم والاستفادة من وجودهم بدلا من هدر الاموال على برامج وخطط تنموية اثرت سلبا على الاقتصاد الوطني وما زال الاردنيون يدفعون ثمن تلك السياسات الى يومنا هذا, وما حدث ببرنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي انفق 356 مليون دينار على مشاريع لم تساهم ابدا في عمليات التوظيف او التأهيل او زيادة الانتاجية مثال صارخ على ذلك ناهيك عن تنامي ظاهرة الفساد وهدر المال العام, فكلها امور يعتقد البعض انها بعيدة عن احتجاجات العمال وهي في الحقيقة لب المشكلة العمالية اليوم.
القضية الابرز التي ظهرت جليا بعد كثرة الاحتجاجات هي الضعف الحاصل الذي انكشف مؤخرا في مؤسسات المجتمع المدني والمتمثل في غياب الاطر التنظيمية الفاعلة الممثلة للعمال الاردنيين في تلك الشركات, فلا يوجد من يخاطب ادارات تلك الشركات او المؤسسات بطريقة مشابهة لما يحدث في الدول الغربية, حيث الاعتصامات العمالية هناك تؤدي في النهاية الى استجابة الشركات لمطالب العمال.
عندما خرجت الدولة من النشاط الاقتصادي بحجة تفعيل اقتصاديات السوق وتعزيز دور القطاع الخاص كان يتعين عليها الحفاظ على حقوق العاملين, وهذا لا يتم بالاتفاقات الجزئية مع المستثمرين, انما من خلال ايجاد تشريعات منظمة للعمال ضمن جمعيات متخصصة تكون في واجهة التعامل مع المستثمرين.
salamah.darawi@gmail.com
العرب اليوم