هذه نتائج غريبة حقا، وانا لا أشكك هنا بنزاهتها وصدقيتها، لكنها لافتة للانتباه حقا، وقد لا تكون دقيقة، أو انها ترتبط بطبيعة من تم استطلاع رأيهم فقط، وهذا ليس مؤشرا كافيا في كل الأحوال.
يجري مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية استطلاعا، يتناول السياسة الخارجية الأردنية والعلاقات الدولية، وفي مجال النظرة إلى إسرائيل، تأتي نتائج الاستطلاع صادمة حقا، حيث ان نصف الأردنيين تقريبا (48 %) يصفون العلاقات الأردنية-الإسرائيلية في الآونة الأخيرة بالجيدة، وغالبية الأردنيين (53 %) يعتقدون أن من مصلحة الأردن المحافظة على الحد الأدنى من العلاقة مع إسرائيل، كما يعتقد (32 %) من الأردنيين أن إسرائيل هي الأكثر تهديداً للأمن الأردني.
هذه استخلاصات صادمة، ومن باب عدم احراج المركز، وجرح استطلاعه، لا نود التشكيك به، علميا، لكنه يقول نتائج مرفوضة، اذا افترضنا ان هذه النتائج صحيحة، وتمثل الأردنيين حقا.
السبب في ذلك أن الاستطلاع يبرق برسالة مشوشة حول وجود تحولات في الرأي العام الأردني، حين يرى فقط 48 بالمائة من الأردنيين، ان العلاقة مع اسرائيل بالجيدة، برغم المهددات والاخطار الاستراتيجية، وكأن الاستطلاع يقول هنا أن نصف الأردنيين لا يرون في إسرائيل عدوا، وهذا تحول خطير، مثلما ان الأخطر هو الاشارة إلى أن 53 بالمائة يعتقدون أن من مصلحة الأردن المحافظة على الحد الأدنى من العلاقة مع إسرائيل، وكأنه يقال هنا أن أكثر من نصف الأردنيين يرحبون بالعلاقات مع إسرائيل ويريدون تطوير العلاقات في خط معاكس لكل دعوات مقاومة التطبيع، والكلام عن أن الشعب الأردني معاد بطبيعته لاسرائيل، على مدى العقود الماضية.
هذا كلام لا يمكن احتماله ولا تصديقه، لانه ليس صحيحا، ولو اجريت انا استطلاعا، أو كلفنا فريقا ثانيا، أو جهة مختصة، بإجراء استطلاع لكانت الأرقام أعلى بكثير من ذلك، وهذا يجعلنا نسأل عن طبيعة العينات، والأسماء، والاتجاهات، التي تم استطلاع رأيها، ومدى دقتها، وهل يمكن ان نصدق هذه الأرقام، حين تريد ان تقول لنا ان هناك تحولات في الرأي العام الأردني، لصالح العلاقة مع إسرائيل، أو أن منسوب العداوة انخفض إلى هذه الدرجة المريعة مرة واحدة.
سيغضب جماعة مركز الدراسات الاستراتيجية من هذا الكلام، وانا مجددا لا أريد جرح سمعتهم المهنية، لكنني اسأل بحق إذا كانت هذه الأرقام، حقيقية، وهل يمكن أن تكون مؤشرا علينا ؟.
في قصة الأردنيين من كل العرب والمسلمين، خصوصية في الموقف من فلسطين، ومن الاحتلال، والأردنيون الأكثر شهداء من بين العرب والمسلمين، في فلسطين المحتلة، وهم مع الفلسطينيين، يعتبرون الأقرب إلى فلسطين وقضيتها، ولهم فيها دم وتاريخ وسجالات ومعارك، فوق التاريخ والجغرافيا، ومع هذا آلاف الادلة على تحسس الأردنيين من كل اقتراب من إسرائيل، على المستوى السياسي، والاقتصادي، فكيف يمكن نسف كل هذا، والخروج بأرقام تريد أن تقول أن الأردنيين باتوا يخفضون نظرتهم العدائية لإسرائيل، أو انهم باتوا براغماتيين إلى الدرجة التي يرى فيها أكثر من نصفهم، أن من مصلحة الأردن المحافظة على الحد الأدنى من العلاقة مع إسرائيل.
هل يعقل أن يرى 32 بالمائة من الأردنيين فقط أن إسرائيل هي الأكثر تهديدا للأمن الوطني الأردني، هذا على الرغم من ثقة الكل ان المشروع الإسرائيلي يعد توسعيا، وبهذا المعنى يكون مهددا للأردن بكل مستويات التهديد، سواء على المستوى السياسي، أو الاقتصادي أو الجغرافي، فهذه نسبة منخفضة وكأن الأغلبية لا ترى في إسرائيل مهددا، لأمنها الوطني أو وجودها على المدى الطويل.
يقال للرفاق في مركز الدراسات الاستراتيجية، ونحن نحترم قدراتهم وخبراتهم وصدقيتهم، ان هذا الكلام صادم جدا، ولا نريد ان نصدقه، فإما انكم لم تأتوا بنتائج تمثل الأردنيين حقا، واما انكم تريدون تسييس النتائج بهذه الطريقة التي تصب في اتجاهات محددة، نرى عكسها أصلا كل يوم.
(الغد)