في رثاء انيسة احمد الحياري
رامي ابو رمان
06-03-2022 06:30 PM
وَرَحَلتْ جَدّتي
السيدةُ الثمانينيةُ الطيبةُ التي كانتْ تملأُ البيتَ بالحبِ والحنانِ جدتي التي تملأ التجاعيدُ وَجْهَها و تكسو هذه التجاعيدُ جَسَدَها الواهنَ وكانتْ هَذه التجاعيدُ هي دروسُ الحياةِ وتعاليمُها القاسيةُ
جَدَّتي الأميةُ التي لا تقرأُ ولا تكتبُ ولكنَّها تعلمُ بكّلٍ شئٍ هي طبيبةٌ على اَلَبركةِ علاجُها لكل داءٍ هي الأعشابُ وزيتُ الزيتون
لا تقتنعُ بالدواءِ ولا بالأطباءِ وأَنَّ المَرَضَ الذي أَنْهَكَ جَسَدَها كانَ “ يومين وبخف يا جدة
كانتْ جَدتَّي تدافعُ عني حُتَّى لو كنْتُ مُخْطئاً كانتِ الوحيدةَ التي تَقفُ أمامَ أبي
كانتْ جميلةً تَهْتَمُّ بجميعِ التفاصيلِ وأَدَقّ الامورِ وإِنَّ مقياسَ الجَمال لَدَيهْا أَنْ تكونَ البنتُ بيضاءً كانتْ تُحبُّ كلَّ شئٍ في مكانهِ، لا تَستَطيعُ أَنْ تَجْلس وهناكَ شئٌ على الأرضِ أو شئٌ ليسَ بمكانهِ
وفاةُ الجدةِ شيء يُشْبهُ غيابَ الشمسِ عن البيتِ ، مكانُها الفارغُ يُعَزّيِنا كلَّ يومٍ على فقدانِها
جَدّتي ذاتُ الثمانينَ عاماً كانتْ تستيقظُ لتجهيزِ القهوةِ وتفتحُ الأبوابَ قَبْلَ أَنْ يأتيَ الضيوفُ
ففي غيابِكِ لم تَعُد اِلقهوةُ كما كانتْ وكأَنّها يَنْقُصُها الهيلُ من يَدَيْك الجميلتينِ
غيابُكِ مزعجٌ جدِاً ولا زلتُ اتّهمُ الدنيا بالكَذِبِ في خَبَرِ وفاتكِ
مكانكُ فارغٌ ولم يَعُدْ المكانَ الأساسيَ في البيتِ ولم يَعُدِ البيتُ كما كانَ
جَدَّتي كانتْ تُغَطّي رأسَها بقطعة ِشالٍ بيضاءَ لم أرَ ببياضَها ابداً فبياضُها انعكاسٌ للشيبِ الجميلِ الذي يُغَطّي رأسَها
كانتْ لا تَقْبَلُ أنْ يكونَ عمرُها اكثرَ من سبعينَ عاماً ولا تعرفُ تاريخَ ميلادِها كانتْ تقولُ انا اصغرُ من الملكِ حسين
كانتْ تُحبُّ الفرحَ وأَنْ تقومَ بتزيينِ البيتِ بِقطعِ القماشِ الملونِ المربوطِ على حَبْلٍ وهذهِ قمةٌ فَرَحِها
كانت تحبُّ الضيوفَ دائماً
رَحِمَها اللهُ وغَفَرَ لها
وانا لله وانا اليه راجعون