إذا دققت النظر في وجوه الأردنيين اليوم ، وفي أفعالهم وكيف يستقبلون الأخبار ويتفكّرون في شؤونهم ، ستكتشف أن الاكتئاب يسيطر عليهم ، ولا أقصد هنا الاكتئاب بمعناه المرضي فقط ، فذاك أيضا يعاني الكثيرون منه ، بل أقصد حالة التشاؤم واليأس التي تغزو عقل المجتمع اليوم ، حالة " القنوط " التي تمثّل طريقة تفكير المجتمع ، إذا ما اراد التفكير في أي شيء ، اكتئاب اقتصادي وسياسي وثقافي ، ولكل هذا أسباب بالطبع .
اسأل أيَّ شاب في عشرينات عمره ما هو حلمه ، او ما هي خطته التي سيكمل بها حياته ، سيجيبك بروح منهكة : " أريد أن أسافر ، أريد أن أكون في بلد يقدّرني ، ويوفّر لي سبل العيش الكريم من عمل ومسكن " ، هذه الإجابة وحدها ، كافيةٌ لأن تريك الى اي حالٍ سيؤول له مجتمعنا إن غدا خاليا من شبابه وذخره ، وتريك ايضا ، أنَّ قلة فرص العمل ، سبب يحتل المراكز العليا لما وصلنا له من تعاسة وتشاؤم ، طالت حتى الشباب الذين هم أساس تطور المجتمع ، بينما من المفترض أن يكونوا شعلة متقدة ، تنير درب البلاد .
انظر - ايضا - كيف يُقابل المجتمع أي إنجاز او بادرةً للإصلاح ، بتهكّمٍ واستهزاء شديد ، ولسان حاله يقول : " أينما وجدَت بادرةٌ لمشروع أو إصلاح ، وِجدَ الفساد " ، في الحقيقة ، لا لومَ على مجتمع يفكر بهذه الطريقة ، وقد واجه تحديات وصعوبات كثيرة ، وتحمّل فشل حكوماته في إصلاح أوضاعه ، وصبرَ على ظلم الواسطات والمحسوبية ، كيف تريد لمجتمع كهذا ان يفكر بإيجابية ؟
مجتمعنا يعلم في صميمه أن هنالك محاولات لتحسين الاوضاع العامة ، لكن ماذا تفعل القطرة في مواجهة السيل ؟ لذلك يطغى تشاؤم مجتمعنا على تفاؤله.
حين " ينسلخ " المجتمع من ثقافته ومنظومة اخلاقه ، ويجري خلف ثقافة واخلاق غيره ، الا يستدعي ذلك أن نقول : إن المجتمع قد يئس من ثقافته واخلاقه ؟ وهذا - في تقديري - أشدُّ الأسقام التي قد يعاني منها أي مجتمع ، عندما يرى تطوره في التشبه بغيره مهما كان الثمن ، حينها ندرك بأن المجتمع قد " أنكر " ذاته ورفض من الأساس فكرة أنَّ تطوره لا يكون الا من خلال مجهوده .
هذا كله " غيض من فيض " لأسبابٍ نشرت وباء الاكتئاب واليأس في مجتمعنا والحديث يطول ، لكن علينا - حكومةً ومجتمعاً - بأن نصل إلى " علاج " لهذا الداء ، لكي نتمكّن من إعمار بلدنا ومواجهة القادم من الأيام .