الحكمة والإدارة .. حروف تنسج الأمن للمستقبل
د. كميل موسى فرام
05-03-2022 11:50 PM
سأكتب اليوم بعيدا عن هموم السياسة التي غرقتُ ببحورها دون أن أجيد العوم، لغتها بحاجة لمفردات وإعادة تشكيل، أبجدياتها تنطلي على الحادقين، لأستأذنكم بسماع حلم وأمنية برسم التفسير للإفادة، فالبداية لهذا العام مميزة وتبعث على الحيرة، بداية صادمة لكل التوقعات، حُبلى بمزيج من أعاصير الطبيعة أو نتاج مخطط لقاطني الأرض، جعلتنا على شفى منعطف تاريخي يعصف بمستقبل البشرية، جعلنا أسرى للحيرة والتردد، نلتحف الخوف من غفوة قد تطول، نحاول زرع الأمل لغد أفضل بعد تاريخ حافل بالبراكين، فقدر جيلنا منذ ستينات القرن الماضي أن يتنقل بين وديان الحروب وسفوحها، ويسير على رصيف من الألغام البشرية التي تصنع لتحدي التقدم والحضارة، وربما محدودية النظر للفكر البشري وأنانيته، تصنع منه بهلوانا يصنع الحروب ليقفز عن أتون لهيبها، ويترنم على ألحان أنينها، دون أن يتعض من قصص التاريخ التي لم تلد بطلاً، فهناك من يطرب بحناجر البؤس، يرتوي من دماء تنزف برذاذها دون استنتاج حكمة، قبل أن يدرك قالب المساواة في الفقر والموت.
الكوكب البشري بتضاريسه وخيراته، بيئة كاملة متكاملة لاحتضان سكان البشرية بخير وسلام، ضمن توازنات تعكس ترجمة القدرات والإمكانيات، تحتاج من كل واحد خطوة للاجتهاد، ترصف طريق السعادة والمساواة، يساعد على انسيابها التقدم الهائل بالمنجزات العلمية التي قدمت تسهيلات حياتية تفوق قدرة الوصف أو التوقع، جعلت عالمنا قرية حضارية صغيرة، نجوب حدودها عبر تطبيقات نملك أركانها لأنها الأساس والهدف، لكن البعض؛ أفراداً وجماعات ودولاً، ارتأى توظيفها برؤية جدارية مخالفا الأعراف، عكست الوهم الذي يسجن الأفكار ليمنع حريتها.
هناك تساؤلات منطقية لعناوين كبيرة تفرض ذاتها ويمكن صياغتها بحروف وكلمات تختصر المشهد الحاضر المؤسف: لماذا كل هذه الاضطرابات والقلق والثورات التي تجتاح مختلف بلاد العالم بظروف غير متساوية بالمعطيات والمنتجات؟ هل نحن بحاجة لمزيد من التحديات التي تقزم أحلامنا فتجعلنا نطبق شريعة الغاب على البشرية بصورة أقسى؟ لماذا لا يكون السلام والعدل والحرية والديمقراطية عناوين الواقع والحياة، يتغنى لها وبها الجميع وللجميع؟
لماذا نوظف تقنيات التكنولوجيا والتقدم البشري وخلاصة الجهود العلمية لتكون أدوات حروب وقتل ودمار؟ لماذا لا نحافظ على خيرات كوكبنا بالحكمة والإدارة التي تصنع حروف الأمن للمستقبل؟ لماذا لا نتحد أمام تحديات العواصف والبراكين والزلازل التي لا ترحم أو تنذر؟ لماذا لا نتوقف ونحلل الأسباب والنتائج الكارثية لحرب الوباء الشرسة التي اجتاحت العالم بفيروس حقير لم تعرف أسبابه وأسراره بالرغم من اجتهادنا، فدمر البنية الصحية والتعليمية، واستنزف مقدرات الدول، وهزم الجيوش العملاقة والأساطيل..
الواقع الجديد يفرض علينا التوقف بمرحلة مراجعة لجميع الملفات العالمية التي أوصلتنا لهذه المرحلة الحرجة بدرجة اليأس والخوف، فاتهام المستقبل بالمجهول هو اتهام ظالم لأننا بحاضرنا نبني ونخطط له، قدراتنا تسمح ببناء مستقبل أفضل بطيب النوايا، قد تبدأ المراجعة على مستوى الأوطان والأقاليم، حيث بؤر الصراع التي تشتعل تعطينا دروسا ويمكننا استخدامها كبوصلة للتغير، شريطة توافر النوايا والابتعاد عن محطات الافتراس لخيرات الغير، فتقاسم السعادة يعطي للنجاح والحياة مذاقا مختلفا على مستوى الفرد والمجتمع، يجسد صفات الانسانية بأرقى وأبهى أصنافها، فحياة الديمقراطية كفيلة بزرع بذور الأمل الذي ينمو على استحياء، لتحقيق العدالة التي تثمر برخاء وازدهار.
توافر الغذاء السليم ومصادر المياه والطاقة؛ أبجديات لخطوات الطريق الصحيح التي ترصف النوايا، تمهد البيئة الآمنة لتوفر فرص التعليم فتقتل الجهل والأمية، خطوة أولى لرصف طريق المحافظة على المنظومة الصحية العالمية كوحدة متكاملة تؤمن بحقوق الشعوب بالمساواة والعدالة بجميع مسارات الحياة حتى تنصهر الخديعة، فالمنطق الذي يجسد فروقا بين الجنس البشري ويجعل الحرية والديمقراطية أمنية بعيدة المنال للبعض، يجب أن يتوقف ويتحجم الآن، بل يستبدل بالمساواة برسم ابتسامة الأمل لغد متجدد يحمل أحلاما وردية، عشقا للحياة والاستمتاع بجمال الطبيعة، غريزة بشرية فطرية، تتكاتف فيها الجهود التي تؤمن بحق الجماعة وتنبذ الانفراد.
ماذا يحدث لو أنفقت دول العالم الأموال التي تستخدم في صناعة الأسلحة الفتاكة المتجددة، لتطوير البيئة الحياتية للبشرية لنعيش جميعاً حياة سعادة ورخاء؟ ربما أنه حلم ليس بقالب المستحيل، يختزل النوايا لكوكب متسامح وشعوب تستحق، فأحداث الغد حُبلى بالأمنيات ومحتوى باطن مراحل التاريخ الدليل للاستئناس وللحديث بقية.
(الرأي)