وفق الرؤى الملكية السامية التي تؤكد على أهمية تنمية الموارد البشرية ، من خلال بناء الإنسان الأردني بناءً متكاملاً ومتوازناً مزوداً بالمعارف والمهارات التي تمكنه من المشاركة الفاعلة في عملية التنمية وتؤهله للمنافسة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية ، ما تطلب تطوير منظومة متكاملة واستراتيجية شاملة وواضحة المعالم لتنمية الموارد البشرية تؤطر عمل القطاعات المعنية بالتعليم ، وتنسجم مع مخرجات الرؤية الاقتصادية المستقبلية ، فالتعليم في الأردن قيمة تنافسية وطنية ، تسهم مخرجاته في تطوير الاقتصاد الوطني وتعمل على تنظيم الممارسات المتعلقة بالمنظومة التربوية وتطويرها والارتقاء بمستواها لضمان الاستفادة قدر الإمكان من الطاقات البشرية ، وهذا تطلب بالضرورة تبني السياسات الإصلاحية في النظام التعليمي ، التي من شأنها دعم عملية التطوير والتحسين وتحقيق النقلة النوعية كماً ونوعاً باستمرار في جودة المخرجات التعليمية وكفاءتها .

اننا في الأردن نسعى باستمرار الى تقديم انموذج متقدم ومتطور لمؤسساتنا التربوية والتعليمية المختلقة باعتبارها البيئة العلمية المؤهلة لإمداد مؤسسات الدولة والمجتمع بالموارد البشرية الكفؤة والمقتدرة على العمل وتحقيق التقدم في كافة ميادين الحياة ، فالمؤسسات التعليمية بمفهومها المعاصر هي مصنع المعرفة ، وأهدافها لن تعد ترفا مجتمعياً لأعداد موارد بشرية ومنحهم شهادات في اختصاصات مختلفة لشغل الوظائف في سوق العمل ، بل أصبحت خياراً استراتيجيا في اطار منظومة استثمار وتنمية الموارد البشرية ، ذلك أن الطريق الوحيد لمواكبة التطور والتقدم هو إرساء دعائم استراتيجيات لتنمية الموارد البشرية الكفؤة والمقتدرة لأن تؤدي دوراً ريادياً وقيادياً في إحداث تحولات جذرية هادفة في بنية المجتمع وتطوره اقتصاديا واجتماعياً وحضارياً.

اننا وحين نتطلع الى الارتقاء بواقع نظامنا التعليمي ، لا بد من التركيز على اقتصاد المستقبل ، بكل ما يحمله من تحديات ، فمن أجل مواجهة هذا الواقع لابد من إيلاء اهتمام كبير ومتزايد لقطاع التربية والتعليم وبالأخص التعليم المهني والتقني كمنظومة فرعية من المنظومة التربوية العامة في تفاعلها مع مؤسسات سوق العمل والإنتاج ، ما تطلب إعداد دراسات تحليلية لاحتياجات السوق بهدف بناء خطة إستراتيجية طموحة حول آليات ربط المخرجات بسوق العمل بمشاركة كافة المؤسسات الحكومية من أجل تعزيز التواصل والتعاون بين مختلف القطاعات التقنية ومؤسسات المجتمع المحلي بهدف الاستفادة من الخبرات المتاحة سعيا لتطويرها.

ان التعليم المهني والتقني في الأردن يعد احد أنواع التعليم النظامي ، الذي يهدف بالمقام الأول الإعداد التربوي للطلبة ، وإكسابهم المهارات والمعرفة المهنية ، والذي تقوم به عدة مؤسسات تعليمية نظامية من أجل إعداد جيل من المهنيين والتقنيين المهرة في شتى التخصصات التجارية والصناعية والصحية والفنية والزراعية لمقابلة احتياجات سوق العمل بما يساعد على مواجهة الخلل الهيكلي بين العرض والطلب في أسواق العمل ، وان دوره لا يقتصر على زيادة الإنتاجية فحسب ، بل يؤدي إلى زيادة الثقة بالنفس ورفع الروح المعنوية للمهنيين والتتقينين وتحسين الرضا الوظيفي ورضا المستفيدين من الإنتاج أو الخدمات بما يساعد على المنافسة في سوق العمل الداخلي والخارجي .

اننا بحاجة ملحة الى تعزيز اتجاهات أفراد المجتمع الأردني نحو التعليم والتدريب المهني ، فالموروث الثقافي السائد في مجتمعنا ساهم بشكل كبير في تعزيز نظرة المجتمع السلبية نحو التعليم المهني والتقني ، وذلك من خلال الأنظمة والتشريعات التي تجعل من خيار التعليم المهني والتقني في أدنى سلم أولويات الخيارات المتاحة لدراسة الطالب بل أصبح خيار من لا خيار له بناءً على الدرجات التي يحققها في المرحلة الأساسية ، إذ يلتحق الطلاب ذوو المعدلات العالية بالتعليم الثانوي الأكاديمي ، بينما يلتحق من لم يستطع تحصيل معدلات عالية بمدارس التعليم المهني ، وكذلك الذين لا يحصلوا على معدلات عالية في التعليم الثانوي الأكاديمي بمعاهد ومؤسسات التعليم التقني .

اعود الى القول إن التعليم المهني يعدّ محوراً أساسياً ضمن الخطط والبرامج الوطنية ذات الأولويات ، فهو الركيزة الأساسية للتنمية بكافة أبعادها الاقتصادية والاجتماعية اذ يلعب ذلك دوراً حاسماَ في صياغة المستقبل لأبنائنا ، فالمستقبل بكل أبعاده وتحدياته يعتمد على اعداد المواطن المنتج والمبدع ، وتأهيله بكفاءة وفاعلية تمكنه من التفاعل الواعي مع التقدم العلمي والتقني الذي يشهده عالمنا المعاصر والتي تؤثر بشكل مباشر على حياة مجتمعاتنا ، وذلك يتوجب على القائمين على المؤسسات التعليمية توجيه طاقات الطلبة وتشجيعهم وتحفيزهم نحو التعليم المهني ، اضافة لضرورة إيجاد برامج متنوعة مختصة بالتدريب والتعليم المهني ، وما لذلك من أثر في تقليل نسبة البطالة وتعزيز قدرات الشباب في العمل المهني ، وما يوفره من قدرة على فتح الآفاق والفرص ودعم مشاركتهم الإيجابية في عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وتعزيز عملية البناء والعمل في المجتمع .

ان وزارة التربية والتعليم معنية بتطوير منظومة التعليم المهني ، ولهذا عكفت الى بناء خطة تطويرية تتجه نحو إصلاح المسار التعليمي المهني والتوسع في برامجها المعدة لذلك ، بما يضمن مواءمته لاحتياجات سوق العمل ، ومواكبة متطلبات التطورات في هذا المجال ، حيث كانت وزارة التربية والتعليم قد قامت بتشكيل لجنة فنية من ذوي الاختصاص والخبرة لدراسة مشكلات التعليم المهني خاصة من وجهة نظر الخريجين وتحليلها ووضع المقترحات للتغلب عليها ، وتشجيع أصحاب المنشآت والمصانع الخاصة لاستيعاب خريجي التعليم المهني بالقدر المستطاع ، فقد تابعنا عبر وسائل الإعلام وزير التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي الدكتور وجيه عويس مؤخراً في لقائه بلجنة التربية بمجلس الاعيان ، وتأكيده على وجود خطة مقترحة لإصلاح وتطوير التعليم المهني ، الذي يأتي ضمن مسارات تعليمية مهنية محددة وهي التعليم الصناعي، والزراعي، والفندقي، والاقتصاد المنزلي ، حيث تشرف عليها وزارة التربية والتعليم ، وبين الوزير بأن الإشراف على عملية التعليم الثانوي المهني وتنفيذ برامجه في سنتين الحادي عشر والثاني عشر ، بعد إكمال المرحلة الأساسية ، بهدف لإعداد العمال المهرة والمهنيين في مستويات العمل الأساسية.

اننا نعي تماماً أن وزارة التربية والتعليم تدرك تماماً اننا نعيش في عالم مفتوح يمر بالتواصل والتأثر والتأثير المتبادل ً ، فالأمر يحتاج إلى مزيد من الجهود الحثيثة من التأمل والبحث والتخطيط والاتصال والحوار وإثارة وعي المهتمين من الباحثين والمتخصصين في مجال التعليم والتدريب التقني والمهني ، وتسليط الضوء على واقع التعليم والتدريب المهني مع ضرورة التركيز على محاور هامة تضفي الى النهوض بهذا النوع من التعليم وانتشاله من واقعة التقليدي ، حيث العمل جار على تطوير مناهج التعليم المهني من خلال المركز الوطني لتطوير المناهج بالتعاون مع إدارة المناهج بوزارة التربية، وبما ينسجم مع طبيعة التعليم المهني وبما يتلاءم مع التطور التكنولوجي المعاصر ، اضافة الى اعداد خطة إعلامية إستراتيجية تُعنى بدعم وتعزيز التعليم التقني والمهني بالتعاون مع أقسام العلاقات العامة في مؤسسات التعليم المهني والتقني وبالتنسيق مع ادارة التعليم المهني والانتاج بوزارة التربية والتعليم مع ضرورة عقد ورش عمل تخرج بالتوصيات والخطة التنفيذية لتطبيقها على أرض الواقع .

واخيراً فلا بد من التشاور الدائم مع أهل الاختصاص في المجالات المعنية كوزارة العمل ، ومؤسسات المجتمع العامة والخاصة ، وكذلك الزيارات الميدانية للمؤسسات المحلية ذات العلاقة ، وعقد شراكات حقيقية مع مؤسسات عربية ودولية والتشبيك معها من خلال اتفاقيات للتعاون المشترك لتدريب المعلمين أولاً والتأكد من كفاءتهم ، اضافة لتنفيذ تدريب عملي لطلبة المدارس المهنية ، وتشغيلهم في المؤسسات والتركيز على الجانب التطبيقي ، وهناك العديد من النماذج الناجحة في ميدان العمل .

وللحديث بقية

والله ولي التوفيق