صحيح ان رحلة الانسان على الارض لا تعدو كونها قصة كفاح وحروب وصراعات وانجاز لكنها لم تحمل يوما النذر لبالتهديد والابادة التامة كما تحملها اليوم. قد ياخذ البعض منا ما يحدث على انه ضرب من المناورات التي تقوم بها القوى الكبرى لاعادة التموضع وفرض اشتراطاتها على المنافسين لكن ذلك لا يعني تجاهل المعطيات التي سنحت لبعض الاطراف امتلاك تراسانات نووية قادرة على تدمير العالم وتحويل كل ما فيه الى ركام خال من الحياة.
في رد لافروف على ما ورد في خطاب بايدن من تهديدات واستعراض للعقوبات التي اتخذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الاوربين ما يشير الى ان روسيا ماضية باستخدام كل ما تيسر لها من قوة لحماية مجالها الحيوية والدفاع عن اهدافها الاستراتيجية التي لا تختلف عن اهداف ااولايات المتحدة ولا عن ممارساتها التي شهدها العالم في ستينيات القرن الماضي.
التلويح الروسي باحتمالية تطور الصراع من تقليدي الي اشكال اكثر فتكا وتعقيدا لا يؤخذ على انه حرب كلام ومزايدات اذا ما نظرنا الى حجم التوتر والاستقطاب الذي يعيشه العالم هذه الايام.
على حدود روسيا الشرقية والجنوبية هناك ململة جدية وحالة من شبه التمرد على القواعد التي فرضتها امريكيا ومن يدور في فلكها على القوى الاخرى باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والسلم العالمي فالصين لم تعد تحتمل ولا تتقبل النفاق والازدواجية التي يمارسها الغرب.
الحديث عن مناصرة حق تقرير المصير وعدم جواز التدخل في سؤون الدول والكيانات الاخرى لم يكن الا بطاقة ترفعها الولايات المتحدة في وجه خصومها عند الحاجة... هذا الادعاء لم يعد ينطلي على احد خصوصا الصين التي قدمت للعالم قائمة تذكرهم بمخالفة الولايات المتحدة لهذه المبادي واعتداءاتها على امن وسلامة العديد من الدول والشعوب وتدميرها تحت غطاء من الاكاذيب والادعاءات.
في ما قامت به الولايات المتحدة وحلفاؤها في العراق وافغانستان وغزة وسورية وسائر النقاط الساخنة في العالم ما برهن ويبرهن على التناقض الشديد بين الاقوال والافعال الصادرة عن الغرب وتلاشي مصداقية الخطاب الذي استند الى ادبيات وقيم تبدو براقة كنصوص وصياغات ويجري اساءة استخدامها وتشويهها عند النظر اليها كسند للتدخلات والسياسات التي تتبناها الدول الغربية.
مشكلات العالم اليوم لا تقف عند من يلتزم بالمبادي ومن يخرقها بمقدار ما هي صراع على من يسيطر على العالم ومن يتحكم بثرواته وكيفية قيام القوى الكبرى بتعطيل نمو وتقدم القوى المنافسة واستقطاب الدويلات والانظمة التي لا طموح لها الا ارضاء الكبار والدخول تحت حمايتهم.
في عالم تضمحل فيه الموارد وتقل فرص التملك والكسب ويعجز فيه غالبية السكان عن توفير احتياجاتهم الاساسية تتخلى حكومات الدول الفقيرة عن اهداف البناء الوطني وتتبني خطابا سياسيا شكليا غايته الالهاء وشراء الوقت الكافي لبقاءها في الحكم وتلقي باللوم على الظروف التي حالت دون تمكنها من انفاذ خططها واهدافها.
الفقر والجوع والمرض والجهل هي القضايا التي تحتل الصدارة على قائمة التهديدات التي تواجه الكثير من دول العالم. والهروب من مواجهتها ببرامج وطنية فاعلة كان ولا يزال السبب الاول والاهم لتدهور الثقة بين الحكام وشعوبهم.
في العديد من الدول النامية الواقعة تحت حكم القيادات المستبدة تجري هندسة المشهد بخطاب رومنسي عن الاهداف والاحلام والانجازات المزعومة وتبذل جهود كبيرة للتعتيم على المشاكل الاساسية من خلال الاستعاضة عن ذلك بادبيات وشعارات واقلام تعمل علي تحسين صورة الواقع القبيح ومحاولة اقناع الناس باعادة النظر بعدسات مختلفة.
العقذ الثالث من الالفية الثالثة حمل للبشرية العديد من المفاجآت غير السارة فمن الكورونا الى اوكرانيا. هذه الاحداث جعلتنا في حرب مفتوحة ومستمرة مع الكائنات البيولوجية الدقيقة واصبحت تنذرنا بامكانية ان يضع السلاح النووي حدا لوجود الانسانية التي ظنت يوما ما انها فهمت سر الوجود.