اداء حكومة الرفاعي : ماذا بقي من كتاب التكليف !
سامي الزبيدي
08-08-2010 07:18 PM
في تقليد نحاول ان نرسيه لمقارنة كتب التكليف الملكية باداء الحكومات على الارض عدنا الى قراءة كتاب التكليف السامي لحكومة السيد سمير الرفاعي لنقارن بين مضامين هذا الكتاب المرجعية للحكومة والاداء على ارض الواقع لنتأكد ما اذا كان هذا الخراب كله نتاج اجتهادات فريق ضل الطريق ام انه مجرد قراءة خاطئة للكتاب فماذا وجدنا؟
لقد وجدنا ان حكومة السيد سمير الرفاعي ادارت ظهرها لكتاب التكليف، وليس هذا فقط بل وعملت بالنقيض منه بما اوصل البلاد الى هذا الاحتقان الذي نخشى ان يتفجر في اية لحظة بما يذكر بما حصل خلال ولاية اخر حكومة عرفية قادها السيد زيد الرفاعي في العام 1989.
خيانة لروح الدستور
يقول الملك في كتاب التكليف:" ... ونحن إذ نؤكد ضرورة الالتزام بالقوانين في كل ما تقوم به الحكومة، فإننا نوجهك إلى إصدار ميثاق شرف مرتكز إلى الدستور والقوانين يوضح كل المعايير الأخلاقية والقانونية التي يجب على الوزراء الالتزام بها طوال فترة خدمتهم العامة، بحيث تكون هذه الوثيقة المعلنة مرجعية إضافية يعتمدها الأردنيون في الحكم على أداء الفريق الوزاري، ويجب أيضا أن يصدر عن الحكومة وثيقة شبيهة ملزمة لكل العاملين في القطاع الحكومي وعلى جميع مستويات الخدمة العامة".
فماذا حصل على الارض ؟ هل ارتكزت مواثيق "شرف الحكومة" الى الدستور خصوصا في بنودها التي تتعلق في منع الموظف العام من ابداء رأيه والمشاركة في التوقيع على العرائض والمطالبة بالحقوق هل هذا المنع يتواقف مع الدستور؟
ان الحكومة احتالت على الامر الملكي لتحوله من اداة لتحسين الاداء الى وسيلة قمع وتكميم افواه وهذا يدل على تآكل امانة الحكومة في التعامل مع المنطوق السامي.
ادارة الظهر للاصلاح
يقول الملك في كتاب التكليف : "... والإصلاح منظومة سياسية اقتصادية إدارية اجتماعية متكاملة لا تصل مداها إلا إذا تقدمت بشكل متواز في جميع المجالات،
ونحن إذ نعتبر الإصلاح الاقتصادي أولوية لما له من أثر مباشر على حياة مواطنينا الذين يشكل تحقيق الأفضل لهم هدفنا الأساس، فإننا نؤمن أن هذا الإصلاح لن يحقق أهدافه إذا لم يقترن بإصلاح سياسي يضمن أعلى درجة من المشاركة الشعبية في صناعة القرار، عبر مؤسسات قادرة فاعلة تعمل بشفافية وموضوعية على تعظيم الانجاز والتصدي للقصور والتقصير والخلل وفقا للدستور والقانون".
نرى ازاء هذا القول البليغ ممارسة لا ترقى الى مضمون المنطوق السامي ،وهنا ايضا تلتف الحكومة على كتاب التكليف فتفرغه من مضمونه اذ اين هي منظومة الاصلاح السياسية الاقتصادية الإدارية الاجتماعية المتكاملة التي تحدث عنها كتاب التكليف وهل الاصلاح السياسي الذي اشارت اليه الفقرة اعلاه تعني توسيع قاعدة المقاطعين للانتخابات النيابية ، وهل هذه السياسات التي كممت الافواه والغت هوامش الثقة واشاعت الاحباط واليأس هي ترجمة امينة لكتاب التكليف؟
فحين يقول الملك:" ... فإننا نؤمن أن هذا الإصلاح لن يحقق أهدافه إذا لم يقترن بإصلاح سياسي يضمن أعلى درجة من المشاركة الشعبية في صناعة القرار"، تأتي الحكومة لتزرع بذور الشك في الجدوى من المشاركة وتدفع الناس دفعا نحو الانعزال والاحباط واليأس.
يقول الملك:"وبعد أن صدرت إرادتنا بحل مجلس النواب تمهيدا لإجراء انتخابات نيابية جديدة تكون أنموذجا في النزاهة والحيادية والشفافية، فسيكون في مقدمة مهام حكومتكم اتخاذ جميع الخطوات اللازمة، بما في ذلك تعديل قانون الانتخاب وتحسين جميع إجراءات العملية الانتخابية، لضمان أن تكون الانتخابات القادمة نقلة نوعية في مسيرتنا التطويرية التحديثية، وبحيث يتمكن كل الأردنيين من ممارسة حقهم في الانتخاب والترشح وتأدية واجبهم في انتخاب مجلس نيابي قادر على ممارسة دوره الدستوري في الرقابة والتشريع والإسهام بفاعلية في استكمال مسيرة البناء، وفي تكريس الديمقراطية ثقافة وممارسة في وطننا الحبيب".
في مقابل كلام الملك اتسعد دائرة المقاطعين بسبب الشك في قدرة الحكومة على اجراء انتخابات شفافة ونزيهة خصوصا بعد ان تكتمت على قانون الانتخاب وطبخته في غرف مغلقة ما شكل اشارة على عدم رغبة الحكومة في اشراك الناس في رسم مستقبل بلادهم وهو ما يتنافى جذريا وكتاب التكليف.
انتخابات بلا ناخبين
ويضيف كتاب التكليف : "وإذ تشكل الانتخابات القادمة، التي يجب أن لا يتأخر إجراؤها عن الربع الأخير من العام المقبل، خطوة رئيسية في تطوير أدائنا الديمقراطي وتعزيز المشاركة الشعبية في عملية التنمية السياسية، فإننا نريدها جزءا من برنامج تنمية سياسية شامل يعالج كل المعيقات أمام تحقيق هذه التنمية، ويسهم في تطور العمل السياسي الحزبي البرامجي، ويفتح المجال أمام جميع أبناء الوطن للمشاركة في مسيرة البناء. .. وضمان أعلى درجات المشاركة الشعبية في صناعة السياسات الوطنية."
هنا لا نحتاج الامر الا الى نظرة سريعة الى مجمل الاوضاع لنتأكد ان كلام الملك عن "مشاركة شعبية" و"تطوير العمل السياسي الحزبي" و"فتح المجال امام جميع ابناء الوطن للمشاركة" لم يصل بعد الى اذان الحكومة ولا الى افئدتها والدليل فقد عملت على الضد من روح كلام الملك فقلصت المشاركة الشعبية بل والغتها واستأثرت بالقرار وعادت الاحزاب الى الدرجة التي دفعت بها نحو اعلان المقاطعة للانتخابات التي ربما تجري بعد اشهر قليلة.
تكميم افواه
وبالرغم مما سلف فان الكارثة التي صنعتها الحكومة تلخصت في سياستها حيال الاعلام الذي احيل إما الى ذيل ذليل لها او معارض شرس لسياساتها على النقيض من القول الملكي.
يقول الملك :"... ويتطلب نجاح هذا البرنامج اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لضمان حرية التعبير وفسح المجال أمام الإعلام المهني الحر المستقل لممارسة دوره ركيزة أساسية في مسيرة التنمية الوطنية، وعلى ذلك فلا بد من إجراء التعديلات التشريعية اللازمة وتبني السياسات الكفيلة بإيجاد البيئة المناسبة لتطور صناعة الإعلام المحترف وضمان حق وسائل الإعلام في الوصول إلى المعلومة والتعامل معها من دون أي قيود أو عوائق".
ازاء ذلك فان الحكومة قرأت – كما يبدو – هذا الكلام بالمقلوب وبدلا من ضمان حرية التعبير كممت الافواه وبدلا من "تبني السياسات الكفيلة بإيجاد البيئة المناسبة لتطور صناعة الإعلام المحترف وضمان حق وسائل الإعلام في الوصول إلى المعلومة والتعامل معها من دون أي قيود أو عوائق" فقد اجترحت اكثر القوانين تخلفا لمنع الاعلام الالكتروني من التطور ولالحاقه باجهزة الاعلام الرسمي المتخلف كما تكتمت على المعلومات باعتبارها سرا نوويا لا يحتمل الافشاء.
اوليغارشية تهيمن على مستقبل الاقتصاد
و بينما يقول الملك :"... ولا بد من بلورة السياسات الاقتصادية والمالية الكفيلة بزيادة تنافسية الاقتصاد الوطني..... وتحقيق أعلى درجات التوازن التنموي بين المحافظات بما يؤدي إلى تحسين المستوى المعيشي للمواطنين كافة ومحاربة الفقر والبطالة. ولا بد أيضا من العمل على حماية الطبقات الفقيرة، وتقوية أدوات العمل المؤسسي لرعاية المحتاجين".
هل هكذا تحمي الحكومة الطبقات الشعبية وهل هذه هي الترجمة الفعلية لمتطلبات كتاب التكليف؟ هل افقار الناس امر ملكي؟ هل اشاعة القنوط واليأس امر ملكي؟ حاشا لله غير انذلك كله ليس سوى الفشل الذريع في قراءة الحكومة لما يريده الملك.
و بينما يقول الملك :"... ويجب أن تركز السياسة الاقتصادية الحكومية على تحقيق الأمن الغذائي والمائي وتلبية احتياجات المملكة من مصادر الطاقة، عبر التخطيط بعيد المدى وإقامة المشاريع الكبيرة القادرة على تلبية احتياجاتنا المتنامية. ولتحقيق أفضل النتائج الممكنة، وفي ضوء تداخل مشاريع الماء والغذاء والطاقة، على الحكومة أن تضع الأطر المؤسسية التي تضمن أعلى درجات التنسيق في إدارة المشاريع في هذه القطاعات والاستثمار فيها، وخصوصا في مشاريع الطاقة البديلة الشركة ".
ازاء هذا التوجيه الملكي فان ما نراه هو استئثار شركة واحدة بكل هذه المشاريع وكأن كتاب التكليف جاء لفتح الباب على الغارب لشركات بعينها لاختطاف القطاعات الحيوية في البلاد وجعل الاردنيين رهينة لهذه الشركة او تلك.
نجاح مذهل في بناء السكك الحديدية!
و بينما يقول كتاب التكليف :" ولا بد أن يواكب الاستثمار في هذه المشاريع الكبرى عمل مواز لتطوير البنية التحتية، وخصوصا قطاع الاتصالات وشبكات الطرق، واستكمال الإجراءات المتعلقة بإنشاء سكة الحديد الوطنية، ليكون الأردن مركزا إقليميا للنقل، ولتطوير إمكانيات التكامل والتعاون مع الدول العربية المجاورة".
هنا تقتضي الموضوعية ان نشهد للحكومة انجازاتها في مجال انشاء سكك الحديد التي بدأت بالفعل في نقل الركاب من عمان الى العقبة وسائر مدن المملكة بما وفر الملايين من الدراهم، حيث اضحى الاردن بالفعل مركزا إقليميا للنقل .
تزايد حالات الانتحار
يقول كتاب التكليف:"ولما كان الإنسان محور العملية التنموية برمتها، وهو وسيلتها وغايتها، فقد بنينا رؤيتنا لأردن المستقبل على الاستثمار في الإنسان الأردني المبدع المتميز بعطائه، فهو ثروة وطننا الحقيقي"،وفي مقابل كلام الملك الجميل فقد بددت الحكومة هذه الثروة واحالت الانسان الاردني الى مركز لجذب كل انماط الاحباط واليأس ولا ادل على ذلك من تنامي حالات الانتحار.
تطوير التربية باهانة المعلمين
يقول كتاب التكليف ايضا :"وعلى الحكومة المضي قدما في تطوير العملية التربوية والتعليمية، عبر تنفيذ مشروع التطوير التربوي على مدار السنوات الخمس القادمة، وتطوير التعليم الجامعي مع الحفاظ على استقلالية الجامعات، والتوسع في مجالات التعليم المهني بما يتلاءم مع متطلبات سوق العمل" .
غير ان الحكومة فهمت العكس فنكلت بالمعلمين، وفصلت الكثير منهم .. فهل هذا هو التطوير؟ ، واشاعت الحكومة الرعب في صفوف رؤساء الجامعات واستأثر وزير التعليم العالي بالقرار بحيث اضحى الرئيس الفعلي للجامعات الرسمية بحيث اضحى رؤساء الجامعات مجرد ممثلين لمعاليه ينفذون اوامره ونواهيه ، اهذا هو الامر الملكي في استقلال الجامعات؟؟.
الحاق القضاء
يقول كتاب التكليف :" .. فالتنمية لا تتحقق إلا في ظل العدالة والمساواة وسيادة القانون على الجميع. والضمانة لكل ذلك هو الجهاز القضائي، الذي نحرص على استقلاليته ونزاهته وكفاءته وسمعته الطيبة، من خلال العمل على تنفيذ الخطط والبرامج اللازمة لتطوير هذا الجهاز، وعلى رأسها برنامج قضاة المستقبل، وتيسير إجراءات التقاضي وتحسين أداء المرافق والأجهزة التابعة لهذا الجهاز".
.. لقد انتفض القضاة الى القانون المؤقت لاستقلال القضاء وعلى تدخلات وزارة العدل التي حاولت في الاشهر الاخيرة الحاق الجهاز القضائي في ملاكها وليس ذلك قفط اذ شكلت عملية سجب احدى القضايا من المحاكم المدنية الى اخرى استصغارا للقضاء المدني وهي سابقة لم تجرؤ حكومة اخرى على اقترافها .
تجاوز خطوط الملك الحمراء
يقول الملك في كتاب التكليف : " وإن حق المواطن وكرامته خط أحمر، وكرامة الأردنيين عندي أسمى وأقدس من أن يمسها أحد بسوء. وقد ساء الأردنيين جميعا بعض مظاهر العنف والاعتداء على المواطن والمعلم والموظف والطبيب. وهذا أمر مرفوض بكل الأحوال".
وهنا تجاوزت الحكومة الخط الملكي الاحمر عندما اعتدت على كرامات العمال والمعلمين واهانت الموظف العام من خلال منعه من التعبير عن رأيه، اهكذا يطبق الرئيس توجيهات الملك؟؟
هذه هي جردة حساب – غير عسير – لمدى التزام حكومة السيد سمير الرفاعي بكتاب التكليف الذي يعد مرجعية للحكومة واداة قياس يستخدمها الرأي العام لمدى نجاح الحكومات فهل اجتازت الحكومة الامتحان؟؟؟