في ذكرى تعريب قيادة الجيش العربي الاردني
اللواء المتقاعد مروان العمد
01-03-2022 02:03 PM
سيكون حديثي حول هذه الذكرى التي تطل علينا فى الاول من آذار من كل عام مختلفاً عن الاسلوب التقليدي ، وعلى شكل قصة تجمع ما بين ذكريات طفولتي ، واحداث تلك الفترة.
حيث ولدت في السلط قبل النكبة بعامين . وبعدها بعامين انتقلنا الى مدينة عمان . وسكنا في جبل الجوفة المطل على وسط المدينة ، حيث يمكن مشاهدة المسجد الحسيني ، وسيل عمان ونبعة الماء التي كانت على مقربة منه ، والتي كنا نقصدها لتعبئة دلاء الماء عند الحاجة ، بالاضافة الى شارع الملك فيصل والساعة القديمة التي كانت تتوسطه وشارعي السعادة والرضا.
ومنذ بداية حياتي كان لي اهتمام بالسياسة ، واتابع اخبارها من خلال الراديو ، واتابع مقالات محمد حسنين هيكل ( بصراحة ) ، واسمع حفلات ام كلثوم .
شاهدت جلالة الملك المؤسس عبدالله الاول مرة واحدة في حياتي وذلك اثناء زيارة له لمدينة السلط . وتشاء الصدف انه عندما تم اغتياله على باب المسجد الاقصى بتاريخ ١٩ / تموز / ١٩٥١ ان اكون في زيارة للسلط ، وشاهدت التظاهرات التي جابت شوارعها استنكارا لهذه الجريمة النكراء . ثم تم المناداة بولي عهده الامير طلال ملكاً للبلاد بتاريخ ٢٠ / تموز / ١٩٥١ والذي ولظروفه الصحية تم تنحيته عن الحكم بتاريخ ١١ / آب / ١٩٥٢ ، والمناداة بولي عهده الامير الحسين ملكاً للبلاد. ولكونه لم يكن قد بلغ السن الدستورية ، فقد تم تشكيل مجلس وصاية الى تاريخ ٢ / أيار / ١٩٥٢ حيث استلم سلطاته الدستورية.
واذكر انه ما بين الاعوام ١٩٥٤ وحتى ١٩٥٦ شهد الاردن صراع الاحلاف ، حيث قامت بريطانيا بتشكيل حلف بغداد والذي ضم بالاضافة اليها كل من العراق وتركيا وايران . وكان الهدف من هذا الحلف هو التصدي للمد الشيوعي . وقد حاولت بريطانيا اقناع الاردن بالدخول في هذا الحلف . وبنفس الوقت ظهر حلف آخر ترأسته مصر وضم السعودية وسورية . والهدف منه التصدي لحلف بغداد ومحاولة جذب الاردن لعضويته . في حين ان جلالة الملك الحسين كان اقرب الى فكرة وحدة الهلال الخصيب وسورية لكبرى . وبعد عدة اتصالات ومحاولات اعلن جلالته ان الاردن لن ينضم الى اي حلف ، وانه سيلجأ للحياد . وفي الوقت نفسه فأنه سيكون مع التعاون العربي.
لكن ما بين هذا وذاك ، كانت الكثير من الامور تجري في الخفاء . حيث ان المعاهدة الاردنية البريطانية لعام ١٩٤٦ ، نصت على ان تكون قيادة الفيلق العربي ، او الجيش العربي بريطانية . وكان جون جلوب باشا هو قائد هذا الجيش ويعاونه عدداً من الضباط البريطانيين.
ومنذ بداية تولي جلالة الملك الحسين الحكم ظهرت الكثير من حالات التوتر ما بين جلالته وما بين كلوب باشا ، ومن ضمن اسبابها حلف بغداد ، حيث اجرت الحكومة الاردنية براسة توفيق ابو الهدى انتخابات نيابية ، سُمح فيها لافراد القوات المسلحة الاردنية والقوى الامنية بالمشاركة بها لاول مرة في تاريخ الاردن وذلك بتأثير من جلوب باشا ، على امل ان يأتي مجلس نواب يوافق على الانضمام لهذا الحلف.
وعلى اثر ذلك انطلقت مظاهرات شملت جميع انحاء الاردن شاركت فيها كافة القوى من اسلامية و يسارية وقومية ووطنية ، ضد مجلس النواب وضد حلف بغداد . وكان للنظام المصري في ذلك الوقت دور في هذه المظاهرات ، والتي تصدت لها قوات الجيش والامن بقيادة جلوب باشا . وكنت انا ومن منزلنا اشاهد هذا المظاهرات والاشتباكات وما بين كر وفر في وسط عمان . وكانت تتواجد وحدة من الجيش على درج منزلنا ، وكنا دائماً ما نزودهم بالماء والشاي . وفي احد الايام مرت سيارة مسرعة في الشارع ، واذ باحد الشباب يصرخ ويقول ابو حنيك ، ثم انطلق خلفها عدد من الشباب وهم يلقون الحجارة عليها ، ولكن هيهات فقد ابتعدت ، وعندها عرفت ان ابو حنيك هو نفسه جلوب باشا . ورغم التلاعب بالانتخابات ، وعندما صوت مجلس النواب على المعاهدة فقد قام برفضها . واثر ذلك اوصى رئيس الوزراء في ذلك الوقت ابراهيم هاشم بحل المجلس . ولكن تم اعادته لوجود عيب دستوري في قرار الحل لعدم تصديق وزير الداخلية عليه . مما ادى الى تجدد المظاهرات ضد هذا المجلس . وبنفس الوقت فقد اخذ جلوب باشا يجول على العشائر الاردنية في محاولة لاقناعها بجدوى المعاهدة ، ولكنه لم يجد الا الصد والرفض . وهنا وقف جلالة الملك الى جانب رغبات الشعب ، واعلن ان الاردن لن ينضم الى اي حلف من الاحلاف . وقد زادت هذه الاحداث هوة الخلاف ما بين جلالته و جلوب باشا ، والذي كان يعترض على زيادة عدد الجيش الاردني وتسليحه حسب رغبة جلالة الملك ليتمكن من الدفاع عن الضفة الغربية في حال الهجوم عليها من قبل اسرائيل . وكان جلوب باشا ينصح جلالته بالانسحاب منها اذا ما حصل ذلك . وقد جعلت هذه الخلافات جلالته يقرر التخلص منه ومن الضباط البريطانيين في الجيش العربي . وفي فجر يوم الاول من آذار عام ١٩٥٦ اتخذ جلالته قراره بتعريب قيادة الجيش والتخلص من كبار الضباط البريطانيين فيه وطردهم من البلاد .ووقع جلالته على مرسوم ملكي بذلك . وطلب من سمير الرفاعي والذي كان رئيساً للوزراء ان يبلغ جلوب باشا بذلك . وقد شمل الطرد جلوب باشا ورئيس اركانه العقيد دبليو إم هاتون ، ومدير المخابرات الكولونيل باتريك كوجيل وثمانية من كبار الضباط والذين غادروا الاردن في اليوم التالى . ثم قام جلالة الملك بتعيين اللواء راضي عناب كأول قائد اردني للجيش العربي ، والذي اصبح اسمه الجيش العربي الاردني . وتم فصل الشرطة عن الجيش كمديرية للامن العام تحت اشراف وزير الداخلية . وترقية عددمن الضباط الاردنيين الاحرار لكي يتسلموا الاماكن التي كان يشغلها الضباط البريطانيين والذين غادروا جميعهم الاردن والبالغ عددهم ٦٤ ضابطا.
وما ان سمع الاردنيين ذلك حتى هبوا رجالاً ونساءاً واطفالاً ومن مختلف التيارات والاحزاب الاردنية الى الديوان الملكي العامر ، وكنت انا منهم بالرغم من عمري الذي لم يبلغ العشر سنوات . وكنا نهتف ونقول الوطن لنا … الجيش لنا … الحسين لنا . وكان ممثلي الاحزاب جميعها يوقفون الجموع على الطريق ويلقون كلماتهم الحماسية والداعمة لقرار جلالته . الى ان وصلنا ساحة قصر رغدان . وقد اطل علينا الحسين بطلته البهية ، والقى كلمة اثارت حماس المتواجدين وارتفعت هتافاتهم المؤيدة لقراره وسط زغاريت النساء . وقد استمر تجمعنا في ساحة قصر رغدان الى نهاية النهار ، عدنا بعدها الى منازلنا ونحن نغني ونهتف والنصر يكلل هاماتنا.