ما زالت معاني ذكرى تعريب قيادة الجيش العربي في الأول من أذار عام 1956م، حاضرة وتذكرنا بزمانٍ أردني مضى، وما زالت ذكراه تُذكرنا بأنّ هذا البلد قادر على مواجهة التحديات، ويتقن، لمعدنه النقي، وأصالة قيادته، التغلب عليها.
فتعريب قيادة الجيش العربي، لم يكن قراراً بطرد كلوب، وحسب، بل هو قرار تتأتى أهميته من انه استكمل آخر مراحل الاستقلال الأردني، ووجه الضربة القوية لنظام المستعمرات الذي كان سائداً في المشرق العربي.
وقد نص القرار الأردني بتعريب قيادة الجيش، على ما يلي: إنهاء خدمات الفريق كلوب من منصبه رئيس أركان الجيش العربي، ترقية العقيد راضي عناب إلى رتبة لواء، وتعيينه بمنصب رئيس أركان الجيش العربي، وإنهاء خدمات العقيد باتريك كوجهل رئيس دائرة الاستخبارات العسكرية، بالإضافة إلى إنهاء خدمات العقيد وليم هاتون مدير دائرة الخدمات.
وكما كل قرار أردني، سعى إلى انتزاع سيادتنا الوطنية، فإنّ هذا القرار، أدى إلى انقطاع المساعدات البريطانية عن الأردن، بل ولم يف الأشقاء بعدها بما وعدوا، ورغم ذلك صمد الأردن.
فالقرار كان سابقاً لتاريخه في تلك المرحلة، وسبق خطابات القومية العربية بقرار حمل صداه إلى جميع البلاد العربية والعالم، فقرار الحسين لم يكّن وليد لحظة بل هو نتاج سياقات وميزته بأنه عبر باكراً عن فكره (طيب الله ثراه) بأنه كان سباقاً لكل مرحلة.
فلقد عزز تعريب قيادة الجيش العربي ثقة الأردن بنفسه، والذي كان (وما زال) المؤسسة الوطنية التي تصهر الأردنيين، وهي محل اعتزاز الأردني حيث يتطلع إليها على أنها مستودع فروسيته وقيمه وأنّ رماحها اللامعات هن بعض جباهه.
واليوم، وبعد هذه الأعوام، على هذا القرار وما حمله من أرثٍ موصولٍ ما زال ماثلاً، نتطلع إلى واقعنا العربي الذي تغير كثيراً، ونرى أنّ الأردن لم يتغير بل يصون لليوم معدن العروبة ويقبض على جمرها لا خطاباً وحسب بل وفعلاً.
فطرد كلوب وتعريب الجيش واحد من دروس تعلمنا وتزيد فينا الثقة بالمقدرة، فالأردن قرر عام 1956م أنّ يعرب جيشه وانقطعت عنه المساعدات البريطانية ولم يف الأشقاء بعدها بما وعدوا، واستطاع الأردن أنّ يواصل دوره حتى اليوم.
فالذين راهنوا على الأردن دوماً كانوا الرابحين، ذلك أنها بلادٌ صاغتها قوىً صادقةً منتمية إلى المنطقة، حيث الثورة العربية الكبرى، وحيث الناس الذين التحقوا بها مؤمنين بمقدرة العربي وبالرسالة الهاشمية، ولإيمان الأردنيين بأدوارهم وبالرسالة عبروا من المراحل أصعبها.
نعم، مرّ التاريخ على قراراتٍ أردنيةٍ كثيرة، ولكن التاريخ نفسه، ما زال يذكرنا بعبقرية هذا الوطن، وقيادته الهاشمية، وما زال الأردن حتى اليوم قادراً على الصمود، ولعل لنا من الأمس القريب عبرة، بقرار جلالة الملك عبدالله الثاني بإنهاء العمل بملحقي الباقورة والغمر، وهو قرار جاء في وقتٍ كانت فيه قوى العالم منحازةً إلى طروحات صفقة القرن، ومشاريع التسوية، والتي واجهها الأردنيون بـ «لاءات» الملك الثلاث، وهي: لا للتوطين، لا للوطن البديل، والقدس خط أحمر..
فالأردن، ما زال حتى اليوم، صامداً، مؤمناً برسالته التي أعد لأجلها، ووجد لها، وهي رسالة العروبة والإسلام، المنتمية لشرعية ومشروعية إنساننا العربي..
كل عام ومليكنا، وجيشنا العربي بخير..
الرأي