تمكين الشباب عنوان عريض احتل مساحة كبيرة في مختلف وسائل الإعلام، دون أن يترتب على هذا الضجيج الإعلامي أي أثر على أرض الواقع، حيث معدلات البطالة المرتفعة، وانسداد أي أفق من شأنه أن يرفع من معنويات الشباب المثقل بعوامل الإحباط وما أكثرها.
المدخل إلى التمكين قد يكون أحدها فتح الأبواب على مصراعيها أمام الشباب لانخراطهم في الأحزاب السياسية، شريطة أن تأخذ هذه الأحزاب البعد الاقتصادي في دائرة اهتماماتها ومقدمة برامجها وأولوياتها، لتسهم في إيجاد حلول لعناوين طالما انتظروها يتصدرها تشغيل الشباب، حيث الهم المعيشي الذي يتقدم على أي أولوية آخرى، ويتعذر على أي متعطل الانكباب على ممارسة العمل السياسي ما دام يفتقد أحقيته في توفير فرصة عمل.
يبرر البعض عزوف الشباب الانضواء تحت مظلة العمل الحزبي، نتيجة تخوفات أمنية تقف حائلا دون انضمامهم في صفوف الأحزاب، وهذا بحد ذاته يجافي الواقع كونه بات تاريخا لعقود ماضية نتيجة أحوال سياسية سابقة حرجة، ولا يتعدى أكثر من كونه شماعة لواقع حزبي هش، بعد أن أخفقت في إيجاد أرضية صلبة تقف عليها.
في الأردن عشرات الأحزاب العاملة لم نسمع يوما أن "مناضلا"فيها تعرض للاعتقال، نتيجة رأي طرحه، بل مجمل القصة يتمحور برمته في غياب هذه الأحزاب عن الساحة السياسية وافتقار مجملها إلى تقديم رؤية اقتصادية تسعى من خلالها إلى ترميم بعض العبث الذي مارسته الحكومات.
المراقب للواقع الحزبي من السهولة أن يلتقط إشارة قوية تفيد بأن الدولة ليست على قلب رجل واحد في هذا الشأن، وشكّل غياب الأحزاب عن الساحة فرصة لمؤسسات أخرى رجحت كفتها وانتزعت دورها وسحبت البساط من تحت أقدامها، بعد أن انفصلت عن الواقع الذي دُمغ بانعدام تكافؤ الفرص وشيوع الفقر والبطالة "الحمراء" دون أن يكون لها كلمة أو موقفا تعبر فيه عن نفسها، مما جعل منها رقما حال غيابها عن المشهد لن يترك وقعا أو أثرا ما دامت تسير بذات النهج ونفس الأدوات.
التجربة الحزبية لا زالت متواضعة بعد سنوات طوال على تأسيسها، وفشلت في إيجاد ثقل شعبي يكفل إيصال مرشحيها إلى سدة البرلمان، إلا من رحم ربي، بعد أن غلب عليها الطابع الفردي وتشبث قيادات الأحزاب بكراسيها التي أغلقت بدورها الباب أمام الشباب في تسنم مواقع قيادية تحت ذرائع واهنة، على الرغم من امتلاك شبابنا لمؤهلات عليا وثقافة تمكنهم من تولي سدة المسؤولية.
تحزب الشباب يقترن بمدى نجاح الأحزاب في تعديل برامجها والعمل على تطوير خطابها وآلياتها، بما يكفل جذب الشباب وانضوائهم تحت مظلتها حتى ننتج حالة حزبية جديدة، أدواتها وأذرعها شباب فاعل يؤمن بتداول السلطة، لا قيادات أخفقت في مواقعها ولم تفلح في إحداث أي فرق على صعيد التحشيد المجتمعي لإضفاء صفة الجماهيرية التي تفتقر إليها أحزابنا الأردنية.