وقع بوتن في الطعم الامريكي الأوروبي
العميد المتقاعد عارف الزبن
28-02-2022 11:08 AM
التاريخ يعيد نفسه، لقد أحيّت الحرب الأوكرانية الروسية الحرب الفنلندية السوفيتية التي غيرّت التاريخ.
دخلت القوات السوفيتية فنلندا في ٣٠ نوفمبر ١٩٣٩ مستخدمة أسلوب الحرب الخاطفة فيما عرفت بالألمانية بيلتز كريغ Blitzkrieg والتي سميت بحرب الشتاء ، اجتاح الجيش السوفيتي الشريط الحدودي من جنوب وشرق فنلندا ، بعد ان وقع ستالين وهتلر في أغسطس ١٩٣٩ اتفاقية تقسيم أوروبا والتي جعلت فنلندا تحت النفوذ السوفيتي وبعد هذا الاتفاق طلب السوفييت من فنلندا التنازل عن ١١٪ من أراضيها وذلك للدفاع عن مدينة سانت بيتسبيرغ (التي سميت عام ١٩٤٢ لينينجراد) المطلة على خليج فنلندا هدف السوفييت من تلك الحرب الى محاولة اعادة الحدود السابقة للإمبراطورية القيصرية، ولتغير نظام الحكم وحماية الاتحاد السوفيتي من استخدام فنلندا لأي غزو الماني محتمل عبر فنلندا.
دخلت القوات الروسية أوكرانيا في ٢١ فبراير ٢٠٢٢ مستخدمة أسلوب الحرب الخاصة فيما عرفت بعملية خاصة والتي قد تسمى بحرب الربيع، اجتاح الجيش الروسي الشريط الحدود من جنوب وشرق وشمال أوكرانيا، وذلك بعد ان وقع بوتن والرئيس الصيني شي جينبينغ في فبراير ٢٠٢٢ اتفاقية تقسيم الغاز والنفط بقيمة (١١٧،٥) مليار دولار والتي سبقتها في (٢٠٠١) توقيع معاهدة حسن الجوار والصداقة التي تضمنت (٣٠٠) معاهدة واتفاقية حكومية في شتى المجالات شاملة التعاون العسكري والتنسيق في الساحتين الإقليمية والدولية، حيث جعلت أوكرانيا في وجه الغاز الروسي، وبعد هذا الاتفاق طلب الروس من أوكرانيا عدم التعاون او الانضمام الى حلف الناتو، هدف الروس من هذه الحرب محاولة لإعادة الحدود السابقة للاتحاد السوفيتي ولتغير نظام الحكم ولحماية الحدود الروسية من استخدام أوكرانيا لأي غزو غربي محتمل عبر أوكرانيا.
رفضت فنلندا الطلب، عندها افتعل السوفييت بتاريخ ٢٦ نوفمبر ١٩٣٩ حادث بالقرب من نقطة حرس حدود للجيش السوفيتي في قرية مانيلا Mainila وذلك بالادعاء بتعرضها للقصف من المدفعية الفنلندية مما أدى الى وفاة (٤) جنود واصابة (٩) اخرين، واتهمت موسكو هيلسنكي بالحادث (الذي تبين لاحقا بان ال كي جي بي هي التي افتعلت ذلك الحادث (باعتراف الرئيس السوفيتي غورباتشوف في عام ١٩٨٨) الامر الذي نفت فنلندا صحة هذا الحادث. عندها طلب وزير الخارجية السوفيتي مولوتوف من فنلندا الاعتذار وسحب قواتها (٢٠-٢٥) كم بعيدا عن الحدود السوفيتية، فرفضت فنلندا فقام الاتحاد السوفيتي بإلغاء اتفاقية عدم الاعتداء بين البلدين في ٢٧ نوفمبر ١٩٣٩، وبعد ثلاث أيام بتاريخ ٣٠ نوفمبر ١٩٣٩ هاجمت القوات السوفياتية الأراضي الفنلندية، حيث قصفت فنلندا على مدار (٤٠) ساعة متواصلة من القصف المدفعي.
رفضت أوكرانيا الطلب، عندها افتعل الروس في مارس ٢٠١٤ ، مظاهرات في إقليم دونباس الامر الذي مكنهم بنجاح من ضم جزيرة القرم واستمرت روسيا بالتحرش والمناوشات على الحدود الأوكرانية حين زعمت في ١٠ أغسطس ٢٠١٦ بمقتل جنديين وجرح (١٠) جنود في القرم، واتهمت موسكو كييف بإثارة المشاكل على الحدود ،الامر الذي نفت أوكرانيا صحة هذا الحادث ، فاطلقت السفن الروسية في ٢٥ نوفمبر ٢٠١٨ النار على ثلاث سفن اوكرانية ،واستمر المناوشات على الحدود ، فقام الروس والأوكرانيين بتوقيع اتفاقية منسك في ٥ سبتمبر ٢٠١٤ والتي انهارت من جديد عقب تلك الاحداث الحدودية ، فتوصل الجميع الى اتفاق مينسك الثاني في ١٢ فبراير ٢٠١٥ ، الى ان وقع اخر اتفاق في ٢٧ يوليو ٢٠٢٠ ، وقبل أسبوعين بتاريخ ٢١ فبرابير ٢٠٢٢ زعمت روسيا ان القصف الاوكراني دمر منشأة الامن الفيدرالي على الحدود الروسية الأوكرانية، فقامت روسيا بقتل (٥) جنود اوكرانيين فقام الروس بإلغاء اتفاقية مينسك في ٢٢ فبراير ٢٠٢٢ وبعد يومين بتاريخ ٢٤ فبراير ٢٠٢٢ هاجمت القوات الروسية الأراضي الأوكرانية حيث قصفت اوكرانيا على مدار يومين من القصف الجوي والمدفعي.
بتاريخ ١ ديسمبر ١٩٣٩ شكل السوفييت حكومة عميلة لهم في فنلندا سميت (جمهورية فنلندا الشعبية)، الا ان ارادة الشعب الفنلندي توحدت بوحدة وطنية خلف قيادتها السياسية، التي قدمت اعتراضا الى عصبة الأمم المتحدة، والتي قامت بطرد الاتحاد السوفيتي من عضويتها، دافع الفنلنديون دفاعا مميتا من خلال إقامة خطوط دفاع متعددة البرزخ الكاريلي وحول كوللا والذي سمي بخط الدفاع مانرهايم نسبة الى الجنرال كارل غوستاف مانرهايم Mannerheim Line حيث استخدموا أسلوب الكمائن الليلية في منطقة الغابات والمستنقعات والبحيرات اتي تتجمد خلال موسم الشتاء القارس بين الاتحاد السوفيتي وفنلندا. استخدم الفنلنديون كل الوسائل لوقف اجتياح السوفييت، حيث خرج للعالم من تلك الحرب المصطلح العسكري (المولوتوف) والذي سمي بكوكتيل مولوتوف نسبة الى وزير الخارجية الروسي آنذاك، والتي كانت عبارة عن قنابل مكونة من خليط من البنزين وزيت المحرك والسكر او الشحم ، تخلط في زجاجة قابلة للكسر ويوضع عليها فتيل وعند رميها على الدبابات السوفيتية تشتعل على اسطح الدبابات واذا رميت داخلها تحرق الجنود وتجبرهم على الخروج لقد اطلق الفنلنديون هذا المصطلح كاستهزاء من وزير الخارجية السوفيتي مولوتوف الذي كان يصرح عبر الإذاعة بان الاتحاد السوفيتي يلقي سلال الخبز والغذاء للشعب الفنلندي.
بتاريخ ٢١ فبراير ٢٠٢٢ شكل الروس حكومة عميلة لهم في من القوات الانفصالية في أوكرانيا، ضمت جمهوريتي دونيتسك ولوجانسك سميت (جمهورية أوكرانيا الشعبية) الا ان إرادة الشعب الاوكراني توحدت بوحدة وطنية خلف قيادتها السياسية، التي قدمت اعتراضا الى الأمم المتحدة، والتي وضعت حزم مدمرة من العقوبات على روسيا ، سيدافع الاوكرانيين دفاعا مميتا نهارا وليلا (بعد ان فرض حظر التجول الليلي) من خلال إقامة خطوط دفاعاتهم في المدن الرئيسية وعلى الاطراف وذلك باستخدام جماعات قنص الدروع والتي بدأت نتائجها تظهر في يوم امس (اليوم الرابع) للحرب منذ ان اندلاعها، حيث دمرت للروس اكثر من (٧٠٠) ناقلة جنود روسية، و(١٤٦) دبابة واسقاط (٢٦) طائرة عامودية (٢٧) طائرة مقاتلة، بالإضافة الى إعادة استخدام قنابل المولوتوف من المواطنين الاوكرانيين ضد العربات المدرعة والدبابات الروسية.
بعد دخول القوات السوفيتية استخدم الفنلنديين أسلوب التجزئة Chop(التقطيع) ما بين الراس والجسم الرئيسي والمؤخرة بأسلوب الكمائن لمنع الدخول في عمليات قتالية مع الجيش الاحمر السوفيتي.
واليوم بعد دخول القوات الروسية يستخدم الأوكرانيين أسلوب قطع رأس الجسر الجوي ما بين رأس الجسر الجوي والوحدات اللاحقة بأسلوب الكمائن والقتال في اللحظات الأولى من عمليات الانزال الجوي.
يشتهر الفنلنديون في عصرنا الحالي بتصنيع البنادق القناصة من نوع SAKO - TRG42 وغيرها حيث برز في حربهم ضد السوفييت القناص الفنلندي (سيمو هاوها) الذي عاش (٩٧) عاما والذي يعتبر صاحب الرقم القياسي في العالم، بعد ان قام بقتل (٥٠٥) جندي سوفيتي ببندقية القناصة من نوع M24 السوفيتية الصنع وكان يطلق عليه الجنود السوفييت مصطلح الموت الأبيض.
يشتهر الأوكرانيين في العصر الحالي بتصنيع السلاح المضاد للدروع من نوع Skif-ATGM (سكيف) حيث ظهر قوة هذا السلاح في هذه الحرب والذي سيكون رديفا الى بجانب الصاروخ الأمريكي من نوع جافلين بعد ان اوعزت أمريكيا الى هولندا وبولندا وباقي دول حلف الناتو بتزويد أوكرانيا بحزمة من هذه الصواريخ وكذلك الامر بصواريخ ستنغر التي ستسقط الطائرات العامودية الروسية كما حدث في حرب السوفييت مع الأفغان عام ١٩٧٩.
لقد استمرت الحرب السوفيتية الفنلندية (١٠٥) أيام انتهت باتفاقية موسكو للسلام ب ١٢ مارس ١٩٤٠ بتوقيع فنلندا وتنازلها عن ٩ ٪ من أراضيها بما فيها إقليم البرخ الكاريلي بعد ضغط الرأي العام السوفيتي على موسكو على الرغم من وعد الجنرالات السوفييت الى ستالين بتقديم هيلسنكي كهدية في عيد ميلاده بتاريخ ١٧ ديسمبر.
ستستمر الحرب الروسية الأوكرانية أكثر من (١٠٥) أيام لتنتهي بتوقيع أوكرانيا وتنازلها عن جمهوريتي دونيتسك ولوجانسك بعد ضغط الرأي العام العالمي وتصاعد المظاهرات في روسيا ولن يكون بوتن موجودا ليحتفل في عيد ميلاد بتاريخ ٧ أكتوبر.
ويبقى السؤال المطروح هل وقع بوتن في كمين الدبابات والعاموديات في أوكرانيا كما وقع بريجينيف في أفغانستان.
وهل سيستفيد العرب من انشغال أوروبا في هذا الحرب التي ستستمر وتعيد الغرب والشرق الى العصور الوسطى.
وهل سيتعلم العرب من انشغال الامة في الحرب باليمن وسوريا، او حتى من الحرب الاهلية الرواندية (الدولة الافريقية) التي قدمت مليون قتيل عام ١٩٩٤ واليوم أصبحت من أكثر الدول تقدما ونحن لا نزال نحارب بعضنا البعض لنعود الى العصور الجاهلية الى داحس والغبراء.