كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن أسباب عزوف الشباب عن الإنخراط في العمل الحزبي، بالرغم من كل ما تم تقديمه من دعم للأحزاب، ودعم للشباب بهدف الإنضمام اليها، وقد ذكر جلالة الملك عبدالله الثاني في الورقة النقاشية الخامسة مسؤولية الأحزاب للوصول الى عدد منطقي من الأحزاب الرئيسية، وتبني برامج حزبية واضحة وشاملة، بالإضافة الى إلى أهمية تشجيع المواطنين على الانخراط بالعمل الحزبي البرامجي، وتقبل جميع الآراء والتوجهات ما دامت المصلحة الوطنية هي الهدف.
مع كل ذلك فإن العزوف عن العمل الحزبي في الأردن هو ظاهرة في حد ذاتها ولكن، لماذا؟ يأبى عقلي في كل مرة أذكر فيها هذا الموضوع إلا أن يتذكر قصة الفيل نيلسون الذي أسره أحد الصيادين وربطه بسلسلة حديدية، فحاول الفيل التخلص من هذه السلسلة دون جدوى، وظل يحاول جاهداً كل يوم وباءت كل محاولاته بالفشل، فأدرك عندها عجزه عن التحرر من قيده فما كان منه إلا أن استسلم وتوقف عن محاولاته. حينها استبدل الصياد السلسلة الحديدية بأخرى خشبية هشة بحيث يستطيع الفيل أن يكسرها بسهولة ويتحرر من قيده، لكنه لم يفعل وظل في الأسر. لقد أصبح الفيل نيلسون قادرا على التحرر من قيده، لكنه نفسه لم يكتشف هذه القدرة. لأنه لم يكن في واقع الأمر مقيداً بالسلسلة الخشبية، بل إن قيداً آخر هو الذي كان يمنعه من التحرر وهو قيد برمجته السلبية وقناعاته الراسخة بالعجز.
مثل الفيل نيلسون الكثير من الشباب اليوم الذين تقيدهم أفكارهم السلبية وثقافة العجز وفقدان الثقة. إن من أكبر المعيقات التي تواجه الشباب اليوم هي برمجتهم بالأفكار السلبية وهذه الأفكار هي التي تصنع سلوكهم وهي التي تحدد مستقبلهم، لقد تعرض الشباب الى تجارب متعددة كان طابعها الإحباط والخوف ارتبطت معه كلمة "حزب" بالخوف والممنوع والعقاب والتحريم، فبات الشباب الأردني يكتفي بالمراقبة وعدم التدخل والإبتعاد عن العمل الحزبي. لذلك لابد من إحداث تغيير جذري يهدف الى تغيير المعتقدات البالية في عقول الشباب والمتعلقة بكل المخاوف الناتجة عن هذه المشاركة، ووضع برامج حزبية واضحة ومقنعة تحفز الشباب وترفع ثقتهم بالأحزاب وتدفعهم للمشاركة الفاعلة..