بين يدي قصة مبدعة، تتسم بالتفوق، والألم في توقيت واحد، قصة لصبية من شمال الاردن، وقفت امام تفاصيلها، لأسأل الدولة عما يليق بالصبية، في وقت نرفع فيه الشعارات ليل نهار .
قصة صبية، قد نرى معاناتها في حياة مئات الالاف، ممن لا يجدون وظيفة في هذا البلد، لكنها ايضا قصة مختلفة جدا، عن سابقاتها، حين نكون امام الصبية التي تحمل الدكتوراه في علم النفس التربوي والارشادي، برغم انها مصابة اساسا بالشلل الدماغي، وهي اصابة ليست سهلة، لكنها طوال عمرها، وبدعم من والديها، واصلت رحلتها الشاقة، وتفوقت وحصلت على الدكتوراه بإمتياز، وهذا نموذج مشرف، نرفع لاجله رؤوسنا عاليا ونحي مثابرتها، ونموذجها العظيم.
الاصابة بالشلل الدماغي، تترك اثرا كبيرا، لكن الصبية قاومت طوال عمرها، عبر رحلات العلاج المكثف، واصرارها، على التفوق، ولم يبخل والدها الطيب، ولا والدتها العظيمة، عليها بشيء، حتى عبرت المراحل الدراسية والجامعية بكل تفوق، الى ان حصلت على الدكتوراه نهاية المطاف، وهي ربما اول حالة لانسان، او انسانة، مصاب بهذا الوضع، لكنها تصل الى الدكتوراه وبتفوق.
مثلها لا تجد عملا، اليوم، لا في جامعة من جامعات شمال الاردن الاقرب الى بيتها، ولا حتى في مراكز ابحاث داخل جامعة، حتى يكون دخلها جيدا، او خارج اي جامعة، فتنهمر الاستدعاءات من مكان الى مكان، في زمن وصلت فيه البشرية الى المريخ، لكننا هنا نبرق بالاستدعاءات، ولا احد يستجيب، كلها مجاملات، فهي بدون واسطة، ودون دعم، وكأن مثل حالتها بحاجة اصلا الى واسطة، في مجتمع يتفرج على بنيته الاساسية، من الشباب، وهم يضيعون وقتهم وعمرهم.
هل يعقل ألا تجد وظيفة، ولا يتكرم احد ويحل ازمتها الاساس، ويدعمها بعد كل هذا التفوق، ويراعي وضعها الذي تعرضت له، واين يمكن لمثلها ان يذهب في هذا البلد، حتى تجد من ينصفها، ويساعدها، ويؤمن لها وظيفة، تليق بالشهادة التي تحملها، وواجبنا نحوها التكريم والدعم والمؤازرة، وتقديمها نموذجا كبيرا، للانسان الاردني الناجح الذي يقهر الصعاب، وبحاجة الى اليد التي تنتشله من الوهن والضياع وانعدام الفرص، وتبدد الامل بمستقبل جيد وواعد في الحياة.
الى متى سنواصل سياسة كتابة الاستدعاءات، والاستغاثات، سواء عبر اي جهة، او وسائل الاعلام، وقد كان الاولى ألا نستغيث غير الله فقط، في شأن هذه الصبية التي تعيش وسط عائلة كريمة من عائلات الشمال، عائلة متعلمة، تستحق ان نكون معها، في هذه الظروف.
لم تجر العادة في زاوية مخصصة للمقالات السياسية، ان اخرج عن السياق لأكتب عن قصة اردنية، ولا اقبل على نفسي، ان اعتبرها حالة انسانية، صونا لها، ولكرامتها، لكن كل شيء يصب نحو السياسة نهاية المطاف، لان القصة نموذج عن احباطات الشباب ومعاناتهم، وتأثير هذه المعاناة على البنية العامة، ولعلي اقول صراحة انها بحاجة الى تدخل من اجل تشغيلها، كونها متفوقة ومبدعة في ظل اصابتها اساسا بالشلل الدماغي، الذي يترك اثرا، تمكنت الصبية من التخفيف منه، الى حد كبير، وتستحق منا، ان نقف معها، بكل الطرق المتاحة بدلا من غيابنا.
أشعر بالاسف لاضطراري للكتابة عنها، وقد كان الاولى ان تجد من يمد يد العون لها، بدلا من حاجتها للاشهار بهذه الطريقة، في بلد لايسمع بعض من فيه كل هذه النداءات المحملة بالالم.
لك الله اولا واخيرا.
الغد