مسار طف يوشع إلى تل الرمل (صور)
عبدالرحيم العرجان
27-02-2022 05:56 PM
درب بين تلال وأودية وشعاب، وقد أصبح مشهد الغروب فيه قبلة أهل البلقاء وقاصديها من شارع الستين، الذي أصبح فيه عدد جيد من المطاعم والمقاهي والمطلات المميزة بمشهدٍ فريد مقابل لأرض فلسطين وعبر أخدود غور الأردن.
كانت البداية هناك من مقام تلميذ نبيّ الله موسى وابن عم هود من ذرية يوسف سليل الخليل مقام يوشع بن إفرايم بن يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم أنبياء الله، عليهم السلام، فهو بناء مملوكي بعقد وحَجَرٌ مُشَذَّبٌ حيث ينزل إليه بدرجات فقد كان مقصداً لأهل السلط وما حولها من أراضي البلقاء للإيفاء بنذورهم حتى وقت قريب، وقد أُقيم أعلى جبال المدينة من أراضي جلعاد الاسم المعروف منذ أيام بمملكة عمون، ليحمل الجبل اسم من دفُن فيه "طف يوشع"، أما معنى الطف لغةً؛ هو المكان المشرف المرتفع، وحوله سنديان وبلوط معمر، وبئر قديم قد نقب بالصخر وفيه إعمار هاشمي أعاد الحياة للمكان.
كان الإفطار بإحدى مطاعم مطل شارع الستين متأملين طريقنا بين تلال وشعابٍ وأودية وما حولها، وفي الأفق غربي النهر شقيقات السلط وأهلها نابلس وأريحا وبيت المقدس، ومشارف قلعة عجلون التي كانت موصولة بالإشارة مع قلعة السلط والنمرود بالجليل وحصن الفحيص على مشارف عمّان، بجانب الحديث عن تاريخ المدينة ومن زارها من رحالة العصور الإسلامية ومستشرقين الغرب، فمن بينهم فوردر 1914م الذي أشاد بذكاء وكرم رجالها، وقال فيها جمال الدين القاسمي "كادت تسمى نابلس الثانية" أما بيركهارت 1812م فقد مدح حياة الوئام والمساواة التامة بين أهل المدينة والكثير من الشيم التي لا يتسع ذكرها بمقالنا هذا.
أخذنا الدرب من محاذاة الجسر الاسمنتيّ الحديث المعلق على صخور الطف، سالكين من أسفله دروبٍ بين مزارع زيتون وبيارات حمضيات وكروم عنب وبيوت ريفية استحدث بنائها من حجارة خرب المكان، مروراً بعين سعدى وعين أم ينبوته العذبة بثغرة السلطان، فما من شعاب الا وبه عين أو بئر قديم، استقطبت رعاة الماشية للتعزيب فيها ولدفئها في أيام الشتاء كما كانت عادات الأهالي قبل التعلق بالمدنية.
شعاب كثر مررنا بها، بدايةً بوادي الضر إلى وادي الظلمة وخربته، وبينها وبين جبل أبو هابيل وادي الخزاوي الذي كشفت التنقيبات فيه على أدوات تعود للعصر الحجري من قواطع وشظايا ومطارق.
ولأبي هابيل تكوين جيولوجي خاص يحمل اسمه في منطقة تعود بتشكلها إلى مليون وثماني مئة عام، فقد كانت يوماً بحيرة عذبة بعصر البلايستوسين، وما فيها من رواهط ورسوبيات التي عثرنا عليها بمحض الصدفة على مستحثات، حيث التباين واضح بين ارتفاعات التلال.
ومن أعظم الأودية في الطريق ما يعرف "بهواية أبو عزام" وعمقه السحيق وكثرة شعابه، وتعدد انحناءات طبقاته الصخرية الملونة وما احتواه من مغر وتجاويف قد استخدمت يوماً لسجنٍ قد أبان الحكم العثماني، كما أخبرنا كبار السن الذين يصلوا إليها عبر درب واحد ومكشوف فوق قاطع صخري وشلال جاف موسمي الجريان، وعلى كتف الجبل هناك طريق مرصوفة أقرب ما تكون للطرق الرومانية بعمارة الرصف والتمهيد، وبين البداية ومشارف النهاية تغيرت سمات الطبيعة ضمن مسافة قصيرة بين إقليم المرتفعات الجبلية والغور الأردني، فهي سلة غلال المملكة نزولاً من ارتفاع 1033م ووصولاً إلى 250م تحت سطح البحر التي تنوع فيها النسيج الحيوي، ومن أندرها سوسنة السلط المهددة بالانقراض والمتحملة للجفاف والبيئة القاسية التي تنبت بالعادة بين الصخور لوجود الرطوبة أسفلها، أما اللوف فكان غايتنا لكثرة تواجده في بداية الطريق والتي أسميتها "المنطقة الباردة المرتفعة" حيث كان العشاء في تلك الليلة البندورة والبيض.
درب متعدد ذو سمات سياحية وبيئية بجانب نقاء الطبيعة؛ فكلما نزلنا أكثر كنا نعيد النظر إلى نقطة انطلاقنا، فكيف لجبال البلقاء أن تمتد إلى مالا نهاية، بالرغم من أننا أصبحنا نميز علامة البداية بمئذنة المقام العالية والبناء الأبيض الحديث -هذا المبنى الذي أمر جلالة الملك عبدالله بن الحسين حفظه الله بإعماره- حتى وصلنا لمقصدنا ببلدة تل الرمل بدير علا متممين 24 كم من المسير متوسط الصعوبة بسلام، ومن طرائف المسار عثورنا على نقش أفعى حديث يفتعله النصابين للإيقاع بالواهمين بكنوز الذهب والدفائن.