تيتانيك لمن لايعرف , هي سفينة إنجليزية عملاقة حملت على متنها عبر المحيط الأطلسي عام 1912 ( 2223 راكبا ) , و في عمق مياهه و عند النقطة 4457 وقبيل منتصف الليل غرقت , ولقي وقتها 1517 راكبا حتفهم , وتحولت عام 1997 الى فيلم سينمائي رومانسي امريكي من اخراج جيمس كاميرون , و بطولة ليوناردو دي كابريو و كيت وينسليت , و هما هما شخصيتان و قعتا في قصة حب على متن رحلة السفينة , وهنا اقتبس ذلك الحدث الكارثي الذي ارى تشابها بينه و بين العاصمة الاوكرانية ( كييف ) التي انقلبت على نفسها عام 2014 قبل ان تقلب على الجوار الروسي و السوفيتي السابق رغم الحدود الجغرافية المتلاصقة , و التاريخ المشترك ,عبر المجاعة الواحدة في ثلاثينيات و اربعينيات القرن الماضي , و الحرب العالمية الثانية 1941 1945 الواحدة , و الرقم الاستشهادي الواحد الكبير حوالي (20) مليون قتيل ومنه الاوكراني بنسبة وصلت الى 16,3% من الرقم الاستشهادي الكلي , و النصر الكبير عبر رفع العلم السوفيتي الواحد فوق مبنى الرايخ الالماني ( البرلمان ) ايذانا بدحر النازية الهتلرية و الى الأبد .
و الى سلطة ( كييف ) و فوق متنها تسلل التيار البنديري المتطرف قادما من اتون الجناح النازي المعادي لروسيا الاتحادية و للمنظومة السوفيتية برمتها , مساهما في اغراق ( كييف ) في محيط - فانتازيا التقرب من الغرب و الاتحاد الاوروبي . ومن حلف ( الناتو ) للإستقواء على جارة التاريخ و الروابط الاخوية , روسيا الاتحادية . وعلى عموم المنظومة السوفيتية , و الذهاب اكثر الى الامام للتخطيط لانتاج قنبلة نووية اوكرانية في اطار الايدولوجيا البنديرية المتطرفة ,و على غرار ايران و كوريا الشمالية و تطرفهما الايدولوجي و السياسي , و خروجا على نص معاهدة ( بودابست ) النووية عام 1994 الضامنة للأمن النووي العالمي , و الذي اكد الرئيس زيلينسكي عدم اهميتها في الوقت الحاضر حسب اعتقاده , فما بالكم ان تظهر القنبلة النووية قرب الحدود الجنوبية لروسيا الاتحادية , بهدف استهداف سيادتها و امنها الوطني و القومي , و هو الذي لا تسمح به روسيا تحت اي ظرف , و تراقبه عن كثب و تلاحقه ميدانيا .
إذن لقد اصبحت ( كييف ) رهينة لنخبة سياسية متطرفة معادية لروسيا الاتحادية تحديدا , و تخلط بين السياسة وممارسة الدعاية السوداء , و تصوير روسيا على انها عازمة على احتلال اوكرانيا و توسيع امبراطوريتها ,و هو محض هراء و خطاب اصفر . بينما هي موسكو سعت و لازالت تواصل مساعيها عبر الحوار للوصول بأوكرانيا الى بر الامان وحسن الجوار, و لحماية ناسها الروس و عددهم يقترب من النصف مليون انسان , واصدقائهم الناطقين باللغة الروسية ايضا في ( اقليمي الدونباس و لوغانسك ) , و مجمل عددهم يصل الى اربعة ملايين انسان , يعانون جميعهم من التشرد و الاضطهاد جراء القصف المدفعي و الصاروخي اليومي و في عتمات الليالي والملاجيء . ومنذ ثماني سنوات, وجلهم من البسطاء و الفقراء , ولقد رحل منهم لغاية الان حوالي 350 الفا الى عمق روسيا , و من بينهم اعداد كبيرة من الاطفال , فما هذه الصورة المرعبة من الغرق المستمر في زمن اعلنت فيه موسكو على لسان رئيسها فلاديمير بوتين بأنها غير راغبة باحتلال أوكرانيا و لا بالحرب عليها , ولن تدخل جيشها الاحمر الى هناك , وانما ستفعل المادة 517 من مواد الامم المتحدة التي تسمح لروسيا بتحريك عملية عسكرية خاصة سريعة الى شرق أوكرانيا , و بدعوة من اقليميه المستقلين ( الدونباس و لوغانسك ) التي اعترفت بهما روسيا , و بهدف حماية سكانه و بموعد محدد يبدأ و ينتهي بالإنسحاب من هناك فور انتهاء المهمة , وتثبيت شروط على ( كييف ) لضمان امن شرق اوكرانيا .
و الان الدعاية الاعلامية السوداء الموجهة ضد الخطوة الروسية العسكرية الجديدة وسط ( الدونباس و لوغانسك ) واسعة المساحة و الانتشار, و هي مبرجه , و تشكل جزءا من الفوبيا الروسية - أي الخوف غير المبرر من روسيا و مواقفها القومية على خارطة العالم , و حالة من عدم فهم مواقف روسيا السياسية و العسكرية ذاتها تسود نسبة من المثقفين و بسطاء الناس على حد سواء في كل العالم , و سيطرة التضليل الاعلامي الغربي الامريكي على العالم الثالث تحديدا و عن قصد , و تصوير لروسيا على انها دولة ( عدوانية ؟! ) بينما امريكا دولة ( فاضلة ؟! ) . و الرئيس الاوكراني تحول دوره من الكوميديا الى التراجيديا , و هذه حقيقة , لكن اصحاب الضمائر الحية في العالم يعرفون حقيقة روسيا ويفهمونها ,وهي المعروفة بقوة تمسكها بالقانون الدولي , لدرجة أن حربها الجديدة هذه هي دفاعية عن ( الدونباس و لوغانسك ) ولم و لن تستهدف العاصمة الاوكرانية ( كييف ) و لا المدن و لا القرى الاوكرانية , و لا حتى الجيش الاوكراني حسب تصريحات سياسية و عسكرية روسية حديثة , وفي الوقت الذي يواجه الجيش الروسي الاحمر قطاعات من الجيش الاوكراني و ميليشيات قومية اوكرانية اخرى , فأنه يترك للجيش ممرات امنة . و مثلما هو الفرح بدأ يعلو سكان شرق اوكرانيا و المشردين منهم , و العاملين في مناجم الفحم , دب الرعب و لازال وسط سكان غرب اوكرانيا خوفا من وصول روسيا الى عاصمة بلادهم ( كييف ) , و في بعض المناطق الاوكرانية تم اتلاف العديد من الوثائق تحسبا لوصول ( الجيش الاحمر) الروسي لها و السيطرة عليها .
وكما اردد دائما مع القوميات السلافية مقولة ( سلام ضعيف خير من حرب مدمرة ) , ان الاوان في (كييف ) البحث عن حلول وسط للأزمة الاوكرانية برمتها غربا و شرقا , ومع روسيا , فلم تعد صورة اوكرانيا الحالية مقبولة , و لا سياسة ممكن لها ان تنجح ان لم تخط طريق الاعتدال و التوازن و الحكمة و بعد النظر و السلام و التنمية الشاملة . و التطرف السياسي في المقابل لن يقود الا للتهور و الدمار و الصدام و الى التراجع التنموي , و الا فأنه لا يوجد ما يمنع صناديق الاقتراع الرئاسية في ( كييف) ان تتحرك من جديد لتعيد اوكرانيا الى ما قبل عام 2014 ,حيث الانقلاب الدموي الذي الحق بأوكرانيا خسائر جيوسياسية فادحة في مقدمتها اقاليم ( القرم ) , و ( الدونباس و لوغانسك ) . و أية خطوة اوكرانية متطرفة قادمة مثل محاولة انتاج القنبلة النووية الخطيرة على الدولة الروسية او العبث بأمن اقيلم ( القرم ) , ستلحق الضرر الكبير بالنظام السياسي و الاقتصادي الاوكراني برمته ,و هو ما لا اتمناه لاوكرانيا الواجب , و من حقها ان تعيش وسط دول العالم بسلام و امان و صداقة و تبادل تجاري حميد متصاعد , و ها هو الرئيس زيلينسكي يطلب عبر الرئيس الفرنسي ماكرون وقف الحرب أي العملية العسكرية السريعة , و هي التي ستنتهي بكل تأكيد بشروط على ( كييف ) تضمن الامن لشرق أوكرانيا . و افصح الرئيس فلاديمير بوتين في مقابلة تلفزيونية حديثة جدا بأن أي اعتداء على بلاده روسيا من قبل أية دولة سيتم الرد عليها فورا , و سيكون مصيرها الدمار الشامل . وفي قوله رسالة واضحة لمن يمتهن سياسة العدوان في زمن تطبق فيه دولته القانون الدولي بدقة متناهية , ومن الطبيعي أن لا يتفهم موقفها كبريات دول العالم , فكيف بنا أن نوصل الرسالة الى المثقفين و بسطاء الناس في عالمنا . و بالمناسبة سفراء روسيا في العالم الى جانب مندوبهم في الأمم المتحدة مطالبون بتوضيح صورة الموقف الروسي الجديد عبر الاعلام و المحاضرات السياسية المتوازنة و الهادفة .
وما ارغب بقوله هنا ايضا , هو أن الدول التي وجهت عقوبات اقتصادية ومالية كبيرة لروسيا ولها حسابات ذات علاقة بالحرب الباردة و سباق التسلح , الاجدر بها أن تتفهم القانون الدولي , وتستوعب خطوة روسيا العسكرية السريعة الهادفة لحماية المواطنين الروس و الناطقين بالروسية في منطقتي ( الدونباس و لوغانسك ) شرق اوكرانيا . و العواطف لا تصنع المواقف ,و الاصل بالعاطفة أن يتم توجيهها لحماية بسطاء شرق اوكرانيا و اطفالهم كما فعلت روسيا تماما التي ظهرت تعامل اسرى الحرب الاوكرانية الجديدة هذه و جيشها عموما معاملة الشقيق و ليس العدو كما يشاع , ومن يحارب على الارض في الجناح الغربي الاوكراني تحت أمر ( كييف ) ربما لا يعرف دقة تصوير الاقمار الصناعية الروسية لحركته و بالتالي العمل على أسره , و لايعرف أيضا بأن القوات الخاصة الشيشانية الاقوى في العالم مشاركة في الدفاع عن الدونباس و لوغانسك .
فما الذي ممكن أن تجنيه أمريكا و المفوضية الأوروبية و اليابان و استراليا جراء توجيه عقوبات مالية قاسية بحق روسيا بعد خطوتها الحالية في شرق أوكرانيا ؟ الا تعرف الدول المعاقبة بأن مساحة روسيا الأتحادية أكثر من 17 مليون كلم قادرة لوحدها على اعاقة عمل و تقدم معظم دول العالم ؟ و اخيرا هنا و ليس اخرا لا مخرج للجميع من تقديم الحكمة السياسية الدولية على قصر نظر صناعة الازمات , و للحديث بقية .