بوتين .. قائد على شاكلة نابليون
د. صبري ربيحات
25-02-2022 06:00 PM
في كل قرن او اكثر يظهر قائد او اثنين يغيران وجه الزمن ويتخذ الواحد منهم قرارات صادمة قد لا يرى الناس اثرها ماثلا ولكنها ستغير وجه الزمان... ما قام به بوتين لا يختلف كثيرا عن ما قام به الاسكندر المقدوني او نابليون فقد اقتحم حدود بلد مستقل وسط مناداة ورفض العالم هذا الحدث وكأنه من احداث الماضي بعدما وضعت الدول معاهدات ومواثيق قالت انها ستلتزم بها وبعدما صادقت روسيا التي هي احد الاعضاء الدائمين في مجلس الامن على هذه المواثيق..... ومع ذلك فان الفعل ليس مستهجنا اذا ما راجعنا التاريخ البشري وسيرة القادة وصناع الاحداث.
لم استغرب للحظة ما حدث فالعالم اليوم ضجر وغير مرتاح ولا متوازن كما يظن البعض فلا تزال كل من الصين وكوريا الشمالية وروسيا وحتى تركيا وايران دول وكيانات وشعوب تعتد بنفسها وترفض بوسائل واساليب مختلفة الاذعان لنظام عالمي تقوده الولايات المتحدة بمساعدة اوروبا والناتو.
في الصين وروسيا ارث حضاري وثقافي وثقل تكنولوجي وعلمي واستراتيجي يوازي ما تتمتع به الولايات المتحدة وقد يتفوق عليها باضافات ثقافية واتصالية ومزيد من الاطمئنان العالمي لما يمكن ان تقوم به هذه القوى لو قيض لها الوصول الى تطلعاتها.
على الجانب الاخر تفرغت كوريا الشمالية الى بناء قدرات عسكرية ونظام صارم نأى بنفسه عن الجدل والكولسات العالمية وبقي عنيدا ومصرا على ادامة النهج الذي تبناه دون اي استجابة للشروط والحوافز والمبادرات التي اطلقت لاحتواء برامج النظام والتطبيع معه.
على المحور الاسلامي التفت الغرب ودوائره الاستخبارية الى القوى الكامنة في الشرق الاوسط وحاول ان يفصل بين القومية والدين واعادة احياء الفرقة بين العرب والعجم وتمادى في ذلك بزرع بذور الشكوك والعداوات بين ايران والعرب من جانب على قاعدة الاختلاف الطائفي وبين الاتراك والعرب على قاعدة عرقية تصور الاتراك كطامعين في الهيمنة على العرب والغاء قوميتهم التي جرى ضربها من قبل الانظمة الواقعة تحت نفوذ الاجهزة المخابارتية الغربية.
وسط كل هذه التشابكات تظهر الانظمة العربية ككيانات طالبة للحماية وغير مكترثة لما يجري في العالم الا بالقدر المرتبط باستمرارها في الحكم. فلا استراتيجيات وطنية معرفة ولا مصالح مفهومة ولا مواقف استراتيجية طويلة الامد تلتف حولها الشعوب والمؤسسات. فللعديد من هذه الانظمة تبدو التحركات تكتيكات لدرء الخطر وحماية الذات والدفاع عن استمرار الزعماء في الحكم تحت اي عنوان وباي ثمن.
خارج اقليم الشرق الاوسط ومنذ عقود بقي العالم ينعم بشيء من الهدوء الظاهر الناجم عن ترتيبات املتها اوضاع الاطراف الرئيسية الاقتصادية والعسكرية وعلاقاتها الدولية في اعقاب احداث نهاية القرن العشرين فقد نجحت ادبيات السلام وترتيبات ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في الحد من دور روسيا كلاعب رئيسي على الساحة الدولية وانشغلت الصين في استكمال نهوضها الاقتصادي دون اطماع سياسية معلنة وحاولت الولايات المتحدة بمساعدة مجلس الامن وحلفاءها الاوروبين لعب دور الشرطي في عالم تتجدد في جنباته الاضطرابات الامر الذي قلل من فرص الصدامات ووضع الولايات المتحدة والناتو في وضع مريح.
جميع القضايا التي ظهرت في يوغسلافيا السابقة وامريكيا الوسطى وشرق اسيا وافريقيا جرى احتوائها وعمل الترتيبات المناسبة للناتو والولايات المتحدة مقابل استرضاء او تنازلات طفيفة للقوتين الواقعتين خارج الحلف "روسيا والصين".
اليوم وبعد ان تحولت روسيا الى قوة اقتصادية هامة وبعد الكثير من المناورات وتقاسم الادوار الذي جرى بينها وبين الولايات المتحدة في سوريا واكتشاف القيادة الروسية لضحالة وتناقض المبادئ وتضارب المواقف التي اتخذتها وتتخذها امريكيا وحلفاؤها ينقض بوتين على اوكرانيا غير مكترث للتهديدات التي يتحدث عنها الرئيس الامريكي ومستند الى شرعية التاريخ المشترك والمصالح العسكرية والاقتصادية وحق بلاده في الدفاع عن مصالحها والحيلولة دون استخدامها من قبل الانظمة المعادية للنيل من مكانة ودور ومصالح روسيا.
اليوم ومع دخول الاجتياح الروسي لاوكرانيا يومه الثاني تتهاوى فكرة الردع الامريكي ويسيل لعاب الصين بتنفيذ رغبتها في اعادة ضم جزيرة فرموزة وقد تتفتح شهية كوريا الشمالية لعمل طالما راود احلام زعيمها.
ويبقى السؤال الاهم حول شكل التحالفات ونوع الخطاب والمواقف التي ستتخذها دول العالم في قادم الايام.. هل ستتخذ قرارات مجلس الامن بالاجماع ومن الذي سيبطل القرارات التي سمحت لاسرائيل بالتحرك في كل الاتجاهات هل سيشهد العالم انتفاضة جديدة على المنظمة الدولية التي سخرت لخدمة الصهيونية واغراض امريكيا وهل سيعجل ذلك في خروج الصين عن صمتها وسكونها... هذا ما ستبديه الايام والاشهر والسنوات القادمة.