استطاع الوزير وعالم الوراثة والأكاديمي الدمث معالي د. وجيه عويس بنظرة مشخصة لواقع الحال وسابرة لمستقبل المجتمع وبناته؛ أن يضع حلا علاجيا لمشكلة ماثلة ستتفاقم في المستقبل القريب حين نعد من السنين عقدا في البرنامج الشهير "جلسة علنية" الذي بثه تلفزيون المملكة مساء الثلاثاء، إذ طالب بالتوقف عن دراسة الطب لمدة عشرة سنوات، فالذين يجلسون على مقاعد الدراسة من دارسي الطب داخل وخارج المملكة وصل إلى 38 ألف طالب وطالبة طب ما سيعمل على إغراق السوق المحلي، ولن يكون بوسع الطبيب الأردني أن يجد سوقا خارجيا في الإطار الاقليمي، إذ سيزداد التدافع والتنافس ووطنية الوظيفة التي تنتهجها بعض الدول الشقيقة، وهذا سيدفع باتجاه خسارة أدمغة وقدرات من النخب الشبابية القادرة على الريادة في مجالات حيوية عصرية تتصدر ساحة التقدم والنمو العالمي لكوكب أخضر ؛ فهناك ما يزيد عن 19 ألف طالب وطالبة طب على مقاعد الدراسة داخل الأردن إذ تم قبول خمسة آلاف هذا العام.
وفي إطار متصل أوضح الوزير أن هناك خطة ستعمد إليها وزارة التربية والتعليم العالي تتضمن إعادة النظر في تدريس بعض التخصصات كالطب والهندسة والحقوق والصيدلة للإقبال الشديد عليها، فعمدت هذه الجامعات لفتح مجالات لهذه التخصصات رغم تشبع سوق العمل وحاجاته منها، في حين يتوجه العالم إلى تخصصات جديدة تلبي المستقبل متجاوزة بعض التخصصات وتخفف من أخرى وتستحدث ثالثة.
وتوجه الوزير بطرح قد لا يعجب الكثيرين لكنه يأتي منسجما مع منحنى تطور الدولة في مرحلة حاسمة من تاريخ وطننا في مئويته الثانية ورؤيته المعاصرة التي طرحت في الأوراق النقاشية لعدة مرات.
لقد استحدثت الجامعات في السنوات الأخيرة الكثير من التخصصات التي صار عليها بعض الإقبال في ظل التوجه الرقمي وعالم التطبيقات التي تقوم على إدارة الحياة بشكل عام، حتى أن هناك الكثير من التخصصات قد تطورت وصار من المهم إعادة النظر في مضامينها، بحيث تتوافق مع ما وصل إليه التطور في العلم، حتى الطب والهندسة والعلوم صارت تتطلب الكثير من البدائل والمستجدات بما يتوافق مع التقنيات الحديثة، وصرنا نتعامل مع الطبيب الآلي والمصمم الآلي وصار بوسع الدارسين أن يجدوا طريقًا لوضع برامج خاصة بالتصوير الإشعاعي والمعاينة الطبية بواسطة الجهاز النقال، وحتى الأدوية صار من الممكن التفكير بالطبيب الآلي، واستحدثت تقنيات لإجراء العمليات الجراحية باستخدام الريبوتات.
سيشهد السوق بناء على حديث معالي الوزير والأرقام الصادمة التي أوردها بطالة من نوع آخر بين الأطباء والمهندسين والحقوقيين، وسيعود الكثير من الأطباء الأردنيين من الدول المجاورة، وسيكون من اللازم أن يتم دعم القطاع الطبي الخاص حتى يستطيع استيعاب المرضى من الأشقاء العرب الذين يرون في إمكانيات الطبيب الأردني ما يشدهم ويريحهم، ولكن كيف سيعالج الأمر مع الجامعات في حال توقف التدريس في كليات الطب للعشر سنوات القادمة، وكيف سيتم سد الثغرة التعليمية الناجمة عن هذا الإجراء.
والحقيقة التي أوردها معالي الوزير أن التعليم الموازي غير دستوري، وأن الجامعات لا تستطيع القيام بأعبائها دون الحصول على عوائد التعليم الموازي، لذلك وهذا ما استنتجه أن هناك حاجة لمؤتمر وطني لوضع خطة للعشرين سنة القادمة فيما يتعلق بالتعليم الجامعي، وتشجيع التعليم المهني المتوسط، ودراسة حاجة السوق في القطاعين العام والخاص، والسير قدمًا في الحد من البطالة والفقر في إطار موازٍ لما يمكن إنجازه في القطاعات التعليمية، وتشجيع المؤسسات الاقتصادية في التعاون مع القطاع التعليمي، بحيث تقوم الجامعات بتوجيه البحث العلمي والأبحاث الجامعية في كل المستويات لحل المشاكل الناجمة عن البطالة والفقر ومحاربة الفساد.