اذا كان مطلوبا منك دائما أن تقدم أفضل ما لديك ، فمن الاولى ان تتصدق بأحسن ما لديك ، خاصة في شهر رمضان الذي نتزاحم فيه جميعا على تطهير انفسنا من ذنوبها بالصدقات والقربات ، وعلى البحث عن اخواننا المحتاجين والفقراء لنعطيهم حقهم الذي جعله الله تعالى "أمانة" في اعناقنا.
لا أشك بأن بعضنا يختار من الطعام افضله ، ومن "الاشياء" أحسنها لكي يعطي المحتاجين ويسد عوزهم ، لكن ثمة آخرين لا يترددون في انتقاء بعض المواد التي انتهت صلاحيتها ، أو الاغذية التي شابها شيء من الفساد ، لارسالها في "طرود" مغلقة ، تارة للجمعيات الاجتماعية التي تهتم بالفقراء والايتام ، وتارة للاسر "المستورة" التي لا تجد من يعيلها ، وهم يعرفون - بالطبع - ان هذه المواد والاغذية لم تعد صالحة للبيع أو الاستخدام ، فيتخلصون منها ، ويدرجون "التبرع" بها في "خانة" التبرعات المعفاة من الضريبة.. ولا ادري كيف تشعر ضمائرهم وهم يفعلون ذلك على سبيل "الصدقة" وعمل الخير.. مع ان الله تعالى طيب ولا يقبل الا طيبا.
لا يخطر في بالي أبدا ان اشكك في نية اخواننا المتصدقين والمتبرعين وأهل الخير ، هؤلاء الذي "يؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة" ويتدافعون في رمضان لتقديم "المعونات" للفقراء والاسر المستورة ، وهم - والحمد لله - كثيرون ، ولكنني أشير فقط الى "حالات" ربما تكون محدودة ، بعضها يدخل في عداد "البحث" عن الوجاهة الاجتماعية ، من خلال اشهار الصدقات والتبرعات ، وبعضها يدخل في اطار "الاستعداد" لماراثون الانتخابات واستمالة تعاطف الناس وأصواتهم بالتالي ، وبعضها - للاسف - يدخل في حسابات "التجارة" حيث التخلص من البضائع الكاسدة او الاغذية الفاسدة عبر بوابة "الصدقات" وما يترتب على ذلك من اعفاءات ضريبية.
طرود مغشوشة إذن ، سواء أكانت بدوافع سياسية أو اجتماعية أو تجارية ، وهي - بالتالي - ليست صدقات ولا قربات ، لأن الباعث عليها ليس طاعة الله ، ولا مساعدة اخواننا المحتاجين ، وانما البحث عن الشهرة أو الحفاوة الاجتماعية ، او شراء اصوات الناس ، او حتى التخلص مما تراكم من بضائع غير صالحة.
لا ادري اذا كانت ثمة جهة رسمية تراقب هؤلاء الذين فهموا "الخير" في رمضان على غير وجهه الحقيقي ، واستخدموا "طرود" الصدقات والتبرعات لاهداف غير صحيحة ، حتى ان بعضها قد يؤثر على سلامة "الفقراء" وصحتهم اذا ما افترضنا ان هذه الطرود لا تتحقق فيها شروط الصحة والسلامة ، والبحث عن جهة "تراقب" مطلب يدعو الى الخجل حقا ، على اعتبار ان الذي "يتصدق" ويتبرع يفعل ذلك بدافع الايمان والضمير والتقرب الى الله تعالى ، لكنه في ايامنا التي اصيب فيها الناس بتحولات مذهلة في اخلاقهم وقيمهم واعتباراتهم ، بل وتدينهم ايضا ، يبدو انه مطلب ضروري.. وخاصة في شهر رمضان الذي يتزاحم فيه "الموسرون" والتجار على انواعهم ، لتقديم الصدقات للفقراء واليتامى والمساكين.
باختصار ، لا نريد ان يكون "موسم" رمضان فرصة لتسويق البضائع الفاسدة ، أو شراء الاصوات الكاسدة ، أو تصريف الاشياء (والافكار ايضا) التي انتهت صلاحيتها.. فطريق هذا ليس الصدقات ولا التبرعات ولا الطرود المغشوشة ، وانما له طريق آخر يعرفه هؤلاء الذين لا يريدون من صدقاتهم "وجه الله" ورضاه ، وانما اشياء اخرى "لن تقربهم الى الله زلفى".