في يومه العالمي: هل تحفز العدالة فينا الإرادة لتحسين مجتمعنا؟
تهاني روحي
22-02-2022 04:29 PM
في كل عام من شهر شباط يحتفل العالم باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، وهو نظريا ما يجب ان يتحقق على أرض الواقع سواء بالمساواة في الحقوق، وإتاحة الفرصة للجميع دون تمييز، للاستفادة من التقدم الاقتصادي والاجتماعي في جميع أنحاء العالم، وتمكينهم من التمتع بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية. ويأتي اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية هذا العام تحت عنوان “تحقيق العدالة الاجتماعية بالتوظيف الرسمي/المنظم”، وهو أيضا يعني نظريا بتوفر الوظائف التي تشكل جزءا أساسيا من معايير العمل اللائق المعروفة.
وفي بيان مقتضب أشبه ما يكون بالبيانات المعلبة التي توزع بالعادة في مناسبات تاريخها معروف على الاعلام لنشرها، قال فيه البيان الصادر عن جهة عمالية عليا بأن هذا اليوم العالمي، هو فرصة للتأكيد على حق الجميع بالعمل، وضمان فرص عادلة للحصول عليه، وإزالة جميع أشكال التمييز وبين الجنسين، الأمر الذي يسهم بالوصول إلى العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع ويعزز الأمن الاجتماعي لديهم.
الى هنا جميعنا نتفق ونؤكد ونشدد من أزور بعضنا البعض لتحقيق هذه المطالب المحلية وصولا للعالمية. ولكن قد نحتاج في البداية أن نسأل، ما هو العدل الذي نصبو اليه؟ فعلى المستوى الفرديّ هو قوّة الرّوح الإنسانيّ التي تمكّن كل فرد من أن يميّز بين الحقّ والباطل.
وبالتّالي يكون العدل هو رفيق دائم في مُجريات الحياة اليومية حتى وان كان حازمًا وصعبا. وبما ان العدالة الاجتماعية هي نتاج عدة عوامل يجب عدم إغفالها، وتحتاج أن تترجم عمليا الى وجود سياسات تنفيذية لتطوير برامج تعزز منظومة الحماية الاجتماعية للعمال، كي يكونوا شركاء فاعلين في مواصلة مسيرة البناء والعمل.
ولن نتذرع باستمرار بجائحة كورونا وتبعاتها على تهديد توفر فرص العمل اللائق، ولكنها قد كشفت لنا عن منظومة حماية اجتماعية هشة للعاملين، وخصوصا ممن يعملون في قطاع الاقتصاد غير المنظم ان علمنا انها تشكل ما يقارب 48% من مجمل القوى العاملة حسب مصادر رسمية. اذن كيف علينا ان نضع موازين العدل لتوفير متطلبات الحياة الكريمة بطريقة عادلة في مستويات أجور منخفضة ، ولا يتم مراجعة سياسات الحد الأدنى لها بصورة مستمرة في مواجهة الارتفاعات في أسعار السلع بما يضمن العيش الكريم. وكيف لنا بسياسات أيضا تنفيذية للحد من الفقر والبطالة وزيادة الهوة والتفاوت الاجتماعي.
اذن، علينا التفكر باستمرار، في كيف يجب أن تحكم مبادئ العدالة طريقة بناء المجتمع وتنظم الحياة الاجتماعية والاقتصادية لافرادها. وكيف يمكن للعدل ان يكون موضوعا حاضرا اكثر من أي وقت مضى وأن يتم استكشافه بطريقة أكثر عمقا وعلى مستويات متزايدة لانه لأداة الوحيدة والأعظم أهميّة لوحدة وتماسك المجتمع .
فترجمة مُثل عليا كهذه إلى واقع لتُحدث تغييرًا في المستوى الفردي، من المؤكّد أنّها ليست بالمهمّة الضئيلة، ومع ذلك فنحن نحاول بخطوات بسيطة وصغيرة الا انها عمليّة تعلّم طويلة المدى تستلزمها هذه المهمّة لما يمكن تطبيق بعض من هذه المفاهيم في حياتنا وانعكاس ذلك على ادائنا المهني في جميع القطاعات بلا استثناء. فلا يمكن اختزال العدالة بمجموعة من العمليات الإجرائية أو الصيغة.
إنه لا ينبع من ممارسة الدعوة الحماسية، ولا يمكن إدامته في نهاية المطاف من خلال الخلاف. بل يتطلب تطبيق مبدأ العدالة اتباع نهج استشاري للبحث عن الحقيقة يتميز بالبصيرة والنضج واستقامة السلوك من جانب المشاركين فيه. أنه ينطوي على الغاء الأنا والمصالح الذاتية. إنه يستلزم ممارسة الحكمة والنزاهة.
وبالتالي فأننا سننظر الى العدالة على أنها مرتبطة بجودة الإنصاف، وهكذا تنبع العدالة فينا من الرغبة والإرادة لتحسين مجتمعنا. إنها تنقلنا إلى ما هو أبعد من مستوى المصلحة الذاتية. وهنا تكمن قوة العدالة، فهي أكثر من مجرد عقد اجتماعي. إنها حقيقة انسانية تتجاوز القوانين والإجراءات المؤسسية. وفي نهاية المطاف هي طموح لمن ينشدها، ويجد هذا الطموح أعلى تعبير له من خلال قضية الوحدة المجتمعية. ويبقى السؤال ما هي الهياكل الاجتماعية التي يجب أن تتوفر من أجل دعم المزيد من شمولية المشاركة في عمليات التداول وصنع القرار؟ وكيف يمكن للاعلام ترجمة هذه المضامين الى محتوى بؤثر في المتلقين في تحقيق العدل بشكل يومي وعلى كافة المستويات؟
وبينما نتعلم عن كيفية تطبيق مبدأ العدالة على جميع المستويات، في نطاق العائلة، مكان العمل ومع منظمات المجتمع المدني وداخل مؤسسات الحكم، سيكون العدل هو التّعبير العمليّ عن الوعي بأنّ مصالح الفرد لها ارتباط وثيق بمصالح المجتمع إذا ما أريد للتماسك والسلم المجتمعي أن يتحقّقان.
فنحن بحاجة إلى إعادة النّظر جذريًّا في تعريفنا للعلاقات الإنسانيّة. إذا كانت البشرية جمعاء تشكّل شعبًا واحدًا، وإذا كان للعدل أن يكون المبدأ الحاكم في المنظومة الاجتماعيّة، فلا بدّ إذًا من إعادة صياغة المفاهيم القائمة التي هي وليدة الجهل بهذه الحقائق النّاشئة.