لا أكتب هنا من زاوية الانحياز لأي طرف, سواء كان أوكرانيا أم روسيا أم أمريكيا أم ماله علاقة بالناتو.

ولا أشجع على اشتعال الحرب بينهم, وأمن العالم مهم لكافة الأطراف , ولنا هنا نحن العرب , والسلام يعني لجميع شعوب العالم التنمية الشاملة ( السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ), ولا توجد حرب في التاريخ العميق والمعاصر الا وانتهت بتوقيع السلام أو تعليقه لكي لا تقع الحرب من جديد, ومثلي هنا انتهاء الحرب العالمية الأولى (العظمى) عام 1918 بهدنة بين ألمانيا والحلفاء وقعت بعربة قطار بفرنسا بعد تسجيل 17 مليون قتيل, وانتهت الحرب العالمية الثانية ( العظمى ) عام 1945 بعد سقوط برلين ورفع العلم السوفيتي فوق مبنى الرايخ ( البرلمان ) الألماني, وانعقاد مؤتمر بوتسدام بالقرب من برلين, والتسبب بسقوط حوالي 86 مليون قتيل, تبعها قصف أمريكا لليابان بالسلاح النووي في واقعتي ( هيروشيما وناكازاكي ) لتأكيد نهاية الحرب, ولم توقع اليابان سلاما مع روسيا الأتحادية وريثة جزر ( الكوريل ) في الحرب اليابانية مع السوفييت, والحرب الأولى في أفغانستان انتهت عام 1989 بعد عام من زيارة قام بها ميخائيل غورباتشوف إلى الولايات المتحدة الأمريكية, والحرب تسببت في مقتل 1,5 مليون أفغاني و 15 ألف سوفيتي, وتكررت الصورة الأفغانية مع أمريكا عام 2001, وانتهت بخسارة مالية كبيرة قدرت ب 100 مليار دولار, وبسقوط 2448 جندي أمريكي و3846 متعاقد عسكري على مشارف خطة السلام المؤقتة عام 2021, والأمثلة على الحروب كثيرة, وهنا في منطقتنا العربية التي اجتاحها الربيع العربي بين عامي 2011 و 2021, واختلط وسطه اللونين الاستخباري والإرهابي, وتسبب في تهجير 10 مليون عربي و مقتل أعداد كبيرة غيرهم, وخسارة مالية قاربت ال 800 مليار دولار, ولازالت ذيول الربيع العربي ماثلة في صحراء الجزيرة العربية بين الحوثيين في اليمن وومع واحدة من أكبر دول العرب ( المملكة العربية السعودية ) أملا أن تفضي إلى سلام دائم, وهكذا دواليك.

وعودة إلى الملف الأوكراني الأهم, وفي الوقت الذي ارعبت فيه ماكنة الإعلام الأوكرانية والغربية العالم, وأدخلت الرعب إلى داخله من احتمال اجتياح روسيا لأوكرانيا, ونجمت, وحددت أكثر من موعد وهمي للإجتياح, وذهبت بعد ذلك إلى سراب, والآن بدأت العاصمة ( كييف ) بتجديد قصفها لمنطقتي ( الدونباس ولوغانسك ) شرقا, وصفارات الإنذار تدوي هناك, وعدد من سكان الإقليمين بدأوا النزوح إلى داخل الأراضي الروسية بحثا عن مكان آمن لهم, وغادر الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إلى مؤتمر( ميونيخ ) بتاريخ 19 شباط الجاري, وصرح من هناك بأن أحدا لايريد الحرب فمن يكذب؟ و طالب بشجاعة ولأول مرة بأنه جاهز للقاء الرئيس فلاديمير بوتين ليفهم منه ماذا بعد؟ وبطبيعة الحال فأن أوكرانيا الحالية برئاسة زيلينسكي غير قادرة لوحدها على الحرب في ( الدونباس ولوغانسك ), ولن تكون حربا منطقية بالنسبة ل ( كييف) أمام العالم خاصة وأن سكان الإقليمين أناس بسطاء يمثلان ثقافة مختلفة سياسيا ( غرب أوكرانيا والولاء للغرب والناتو, وشرق أوكرانيا والولاء لروسيا ) , ودينيا ( كاثوليك وارثذوكس ), ولغويا ( أوكراني – روسي ), ولدى الشرق توجه أكيد بضرورة الانفصال عن غرب أوكرانيا والحصول على الحكم الذاتي في إطار عمل الدولة الأوكرانية, ولن ينحج لقاء زيلينسكي - بوتين المقبل مادامت ( كييف ) رافضة لإتفاقية ( مينسك ) لعام 2015, ومادامت تستقوي على روسيا بأمريكا قائدة ( الناتو ), ولن يكون زيلينسكي قادرا على الحوار وعلى الوصول لحلول الوسط . .

و بكل تأكيد الافضل له أن لا يثير قضية إقليم ( القرم ) مع روسيا بوتين التي حسمت في القرم عبر صناديق الاقتراع بنسبة 95% , وفي موسكو( البرلمان وقصر الكرملين ) لصالح روسيا وإلى الأبد, لدرجة بدأت فيها روسيا تراهن على تجدد النخبة السياسية في ( كييف ) وعلى قدوم قيادة سياسية جديدة غير مرتبطة بالتيار البنديري المتطرف المحسوب على مخلفات الحرب النازية على السوفييت 1941 1945, وتحالفت مع منظمة الأمن الجماعي ( روسيا وبيلاروسا وخازاخستان وارمينيا وغيرغيزيا وطاجاكستان ), ولن ينجح تحريض أوكرانيا – زيلينسكي لأمريكا – بايدن في المقابل لإحباط المشروع الروسي – الأوروبي - ستريم - ( غاز 2 ), و الذي هو تحت وصاية ألمانية, والمشروع مكلف وبلغت تكلفته 11 مليار دولار, وهو خادم لأوروبا ولألمانيا تحديدا وبأسعار تفضيلية.

وحديث في الداخل الروسي عن انتشار لقوات ( فاغنر) الأمنية الروسية الخاصة في شرق أوكرانيا ( الدونباس ولوغانسك ) , وتسجيلات مرئية وصوتية تثبت إلقاء القبض على عناصر للمخابرات الأوكرانية شرق أوكرانيا, وكلها معلومات تحتاج بطبيعة الحال إلى تدقيق ميداني.

ومن يتابع الإعلام الروسي و باللغة الروسية مباشرة لابد له وأن يلاحظ المزاج العام للحرب القادمة والقريبة على شرق أوكرانيا ( الدونباس ولوغانسك) من قبل غرب أوكرانيا ( كييف ) استغلالا لإعلان موسكو عدم رغبتها بإجتياح أوكرانيا عبر الخيار العسكري , ولتمسكها بإتفاقية ( مينسك ) والحوار الأوكراني – الأوكراني فقط , وتصريح حديث للرئيس بوتين مفاده بأن روسيا ستتصرف حسب الحدث الأوكراني المراقب من قبلها خطوة بخطوة, ووصف ما يجري لسكان شرق أوكرانيا بأنه اضطهاد, ووصول 3000 مهاجر من مختلف الأعمار ومن الجنسين وبينهم أطفال إلى مدينة فارونيج جنوب موسكو لوحدها, وتم تسليم كل واحد منهم ( 1000) روبل وتأمينهم بالخدمات الحياتية والطبية اللازمة, وحالة من الرعب تسود الشرق الأوكراني الذي يتعرض لقصف يومي مدوي غير مبرر, وإعلان للتعبئة العامة شرقا لمن هم قادرين على حمل السلاح من الشباب للدفاع عن بيوتهم .

وكلمتي الأخيرة هنا أوجهها للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي, بأن بسط سيادة بلاده أوكرانيا شرقا بإتجاه ( الدونباس ولوغانسك ) لن يتحقق الا بالحوار, وإذا كانت إتفاقية ( مينسك ) غير مقنعة بالنسبة لكم وللنخبة السياسية من حولكم في ( كييف ), فما هو البديل السياسي لديكم, والمثل الشعبي في مناطقكم السلافية يقول ( سلام ضعيف خير من حرب مدمرة ), وملف شبه جزيرة ( القرم ) أصبح خطا أحمرا لروسيا الأتحادية بعد عملية ضمه عام 2014 عبر صناديق الأقتراع وربما قبل ذلك بالتعاون مع قوة ( فاغنر ), وسيادته تاريخيا حتى في العهد السوفيتي وفي زمن الزعيم نيكيتا خرتشوف كانت لروسيا راعية تحريكه تجاه أوكرانيا مؤقتا عام 1954 لأسباب مائية, وملفه أغلق, وحديثكم حوله مع دولة صديقة فوق نووية عظمى مثل روسيا محض سراب الآن, وفي المقابل وليس من زاوية الأنحياز لروسيا بكل تأكيد لدي قناعة كبيرة بالموقف الروسي السياسي الداعي للسلام على أرض أوكرانيا وعبر إتفاقية ( مينسك), وعبر الحوار الهادف القادر على وضع النقاط الكبيرة على الحروف اللازمة لبناء سلام أوكراني دائم ومع روسيا جارة التاريخ, ومع الغرب وحلف ( الناتو ) العسكري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية .

ملاحظة: ( تم إعداد المقالة هذه قبل خطاب الرئيس بوتين الخاص بالإعتراف بإقليمي " الدونباس ولوغانسك " بتاريخ: 21 شباط 2022 ).