كانت تعيش الغربة بكل تفاصيلها الطويلة المملة. نظرت إلى الحزن الساكن في عينيها تلومه، لماذا عليك أن تظهر، مثل غيمة رمادية، تأبى إلا أن تتساقط كحبات برد غزيرة منهمرة، لتدق جدران النوافذ الباردة الطبع وعديمة الانفعال.
عاتبت عينيها، التي أعلنت التمرد مرارا. صرخ القلب بصوت أخرس، أريد أن أعيش.
موسيقى العالم خرساء، ينقصها نبضي ودقات قلبي تصدر عرفانا برضا الاختيار وفرح الوصول.
قالت؛ لا تجبروني على ارتداء أثواب لم تفصل لي فحتى ألوان قوس قزح التقليدية لم تعد تثير اهتمامي.
أعلنت النفس أريد أن اسكن حيث يسكن القرنفل الأبيض، وزهر اللوز.
العالم البسيط يشدني حتى لو كان ادراكه عصي عليكم ، فدعوني أعيش حياتي كما ينبغي أن تعاش، بعيدا عن قواعد وضعت، فقيدتكم وأوجعتني.
لم يدرك أحدا ذلك، لم يشاهد أو ينتبه الكون إلى أن هناك روح تعاني الألم، تحلق وتتناثر مبعثرة.
هل أدرك أحدهم حجم معاناة جرح طفل صغير فقد حضن أمه.
هم لا يعرفون، جاهلون حد الوجع، حتى التبريرات والتفسيرات خالية من النبض. تجبر النفس أن تبقى وحيدة بقلب خالي مثل طريق سكنتها عاصفة ثلجية فجمدت أنفاس الشجر.
يمضى الوقت، متثاقلا. والعمر يتسرب من بين الأصابع مثل رمل يتساقط من ساعة رملية.
ذات نهار بيوم مشمس، عادت لبلدتها، فعادت الروح وبدأت ترقص بعنفوان. سرى الدفء في أطراف القلب.
أردت أن تركض بقوة، كطفلة تركض في حقول الياسمين، منعها الربو اللعين، مذكرا إياها بحجم الأكسجين الذي يجب أن يتسرب إلى رئتيها لتعيش.
سكنتها دهشة اللحظة، وامتدت رعشة الروح لتحتضن عالما أحبت وجودها به.
عانقت الفرح والأمنيات الجميلة، لكنها فوجئت بوعكة أصابت جدران مدينتها وعالمها المتكامل، الحياة لم تعد كما كانت. شيء ما تغيير لم تستطيع فهمة، ولم تدرك كنهه.
التفتت بكبرياء، عبثا تحاول معرفة، ما الذي أصاب القلعة القديمة الشامخة. سرت برودة بأطرافها فجمدت زوايا المكان. الحزن يظهر بوضوح ثم يختفي، يشبه ابتسامة شاب غابت حبيبته، فبات ينظر إلى الهاتف بترقب ينتظر رنة تعيد لعينيه تلك النظرة الشقية.
الواقع تغيير والصورة باتت متذبذبة ينقصها الكثير، خاطبت النفس عودي من حيث أتيت، الأبواب موصدة، والنوافذ مثقلة ببقايا ما خلفته العواصف، والمنازل هجرت أهلها وليس يسكنها إلا الخيبة، ممزوجه برهبة وامتعاض مرتسم بوضوح على الوجوه، الذي باتت تشبه تمثال برونز ي متجمد عند زمن القسوة.
أفرغت ما في قلبها بعاصفة من البكاء الشديد، أيقظها الملح على وجع اللحظة، نبها الورد الأحمر القاني على خدها، بضرورة الانصراف نحو الجانب الآخر من الحياة.
ركضت بعيدا بحذر ، قائلة لعينيها لا تخافي ولا تحزني، لا شيء يرجع إلا ماضي الأقوياء.
وبعزم ليس يملكه إلا أنثى عصية على الفهم، أعلنت سأغير كل شيء، سأشكل الواقع كما يروقني. سأزرع في حديقتي الياسمين النقي، وأرمي ألف وردة في الواجهة الخلفية ليغضب القرنفل، ويحترق النرجس.
سأصنع غدي، وأنا من عشقت هندسة الأماكن، وأتقنت محاربة الحزن بباقات الفرح.
نظرت للحزن الساكن في عينيها، وقالت لا تلمني أيها الحزن، أرفض أن تسكنني، سأعلن الهجر.
الواقع يطرق بابي يناديني، يستفزني.
كابرت النفس، وغضبت، بكت، ضحكت ضحكة ممزوجة بالوجع الدفين الذي يحمل ألف آه، عنوانها أنني أعطيت ما استبقيت شيئا.
أعلن قلبي التمرد تاركا خلفة ألف سؤل، باقة فضول. الكارما تعرف أن وجه الحقيقة بريء لكنها ترفض الاعتراف.
أكره الخذلان، سأتقن نزعك أيها الوجع وزلزلة قواعدك التي قيدتني، معلنة ثورة بيضاء عليك، سأخرجك من حياتي ليحل محلك الرضا، فهناك عمرا يستحق أن يعاش وينتظر.