الحوار ظاهرة صحية وصفة متأصلة تعكس في مجملها رقي المتحاورين حيال أي قضية جدلية في إطار حضاري، يلفت انتباه الرأي العام وبخاصة إذا كانت مسألة تسترعي انتباه العامة، ولها تماس مباشر بمعيشة المواطن اليومية، لا سيما الشأن الاقتصادي الذي يتداعى نتيجة المديونية العالية والعجوزات المتنامية التي تعكسها موازنة الدولة عاما بعد آخر.
السجال الذي دار على شاشة محلية بين قطبين اقتصاديين يعتد برأيهما ولهما تأثيرهما في الشارع، استعرض كل من الدكتور معن القطامين والدكتور يوسف منصور ما بحوزتهما من أدوات وذخيرة علمية، لإقناع المهتمين بحجتيهما عدا الحكومة، بعد أن اعتدنا من جانب الحكومات إتقانها فن إدارة الظهر وإشاحة الوجه عن كل من يختلف معها في الرأي، وتنظر إليه بعين الريبة دون أدنى محاولة من جانبها لمحاولة الاستفادة او حسن الاستماع لما يطرح على طاولة النقاش، بدلالة المخرجات الرديئة والعجز عن إحراز أي تقدم من شأنه أن ينقل اقتصاد البلاد من ضفة هشة إلى أخرى متينة ترتكز على أرضية صلبة عمادها اقتصاد منتج.
من يدّعي أن اقتصادنا بخير يخالف الواقع ويدفن رأسه بالرمل كما النعامة، فالمواطنة والأمانة العلمية تقتضيان من أهل الاختصاص، تشخيص المشكلة ومعالجة الملفات الاقتصادية الشائكة التي كشفت ضعف أداء الفريق الاقتصادي، الذي يقف مكبل اليدين ويجنح إلى انتهاج أسرع وأبسط الحلول الآنية، دون اجتراح حلول جذرية تسهم في وضع حد لتآكل الموازنة بفعل خدمة الدين المرتفعة والاقتراض في أوجه غير إنتاجية أو تنموية، من شأنها أن تقلص من نزيف الموازنة المرهقة بعبئ الدين.
في العودة إلى الحوارية، أجد أن تصريحات القطامين الأقرب الى نبض الشارع، وكانت بمثابة إبراز "البطاقة الحمراء" في وجه الحكومة إذا ما استمرت في اتباع نهجها الاقتصادي التقليدي، الذي يحتم إحداث استدارة حقيقية لتحقيق نهضة اقتصادية مبنية على التشاركية، تعالج الفقر الذي وصل إلى مستويات غير آمنة، وبطالة تحتم على الحكومة أن تنظر إليها بما يستحق من اهتمام، بعد أن وصلت إلى مستويات تنذر بما لا يحمد عقباه.
واضح ان جراب الحكومة فارغ على صعيد جلب الاستثمارات، ولم تنجح ضمن الشواهد الحالية في إدارة هذا الملف الذي يعد المحرك الرئيس للاقتصاد، والسلاح الفعال في مواجهة معدلات الفقر والبطالة المرشحة للتزايد بما يشي في تأزيم وتفاقم المشكلة الاقتصادية، بعد أن رفعت الحكومة الحالية الراية البيضاء في إمكانية إدارة الشأن الاقتصادي و"نجحت" في انجاز انفردت به من بين دول العالم، في الانتقال من التوقيت الشتوي إلى الصيفي أواخر شباط الحالي.!
الجدية في معالجة هذا الملف العالق منذ سنوات طويلة بلا حلول، تقتضي الاعتراف بالمشكلة والوقوف أمام محطات الفشل لتجاوزها، والعمل على توفير بيئة جاذبة تضخ استثمارات جديدة تحدث حراكا اقتصاديا، يوفر معه استحداث فرص عمل جديدة لشباب يعاني من الفراغ، ويحرم سوق العمل من كفاءات أوصدت أمامها الأبواب كافة.