من الراجح أن مبتكر التعريف الشائع اللامع للصحة ، من أنها تاج على رؤوس الأصحاء ، لا يراه إلا المرضى ، هو واحد من المرضى المتخمين بالأوجاع والآلام ، فالأصحاء في العادة ، لا يشعرون بأهمية العافية إلا إذا دهمهم المرض والسقم ، عندها يتفقدون تاجاً كان يتربع على الرأس متلألئاً،.
وما ينسحب على الصحة لربما ينسحب على السعادة ومعانيها ، فكثر من التعساء أنهكوا أنفسهم ، من أجل وضع تعريف متكامل لها ، وتفلسفوا ولفوا وداروا ، حتى توافرت لدينا عشرات بل مئات التعريفات المدرسية الشائعة ، والتي لا يأبه بها إلا الذين يغرقون في لجج التعاسة والشقاء ، فالسعيد هو ذلك الشخص الذين لا يجد وقتاً ليسأل نفسه ، هل هو سعيد أم لا ، على حد رأى برنارد شو،،.
ففي القاموس الفلسفي للالاند ، يرى أن السعادة هي حالة من الرضا تملأ الشعور ، وهي رضا لجميع ميولنا ، أما المعجم الفلسفي لمجمع اللغة العربية ، فيعرفها بأنها تلك الحالة ، التي تنشأ من إشباع الرغبات الإنسانية كماً وكيفاً ، وقد تنمو وتتطور إلى مستوى الرضا الروحي ، ونعيم التأمل والنظر ، وهناك المزيد من هذه المقاربات الكلاسيكية لها أيضاً،،.
سيزيف في أساطير اليونان استطاع أن يتغلب على الموت ، بعد أن صارعه وقضى عليه ، مما أثار حفيظة الآلهة ، التي توعدته بانتقام يليق بصنيعه المشين ، واعتدائه على قانون الطبيعة: فحكمت عليه ، بعد أن أصبح خالداً ، حكمت عليه أن يظل يدحرج صخرة كبيرة ، إلى قمة جبل شاهق،.
المشكلة أن سيزيف كان يرهق نفسه وتخور قواه ، حتى يدحرج الصخرة الثقيلة إلى القمة ، لكنه ولسوء حظه تنفلت منه ، قبيل بلوغها بشبر أو أقل ، تعود ساقطة إلى بطن الوادي ، ليعيد الكرة تلو الكرة ، وهكذا إلى نهاية الزمان ، جزاء وفًاقاً على ما اقترفت يداه ، فأي بؤس هذا الذي جناه على نفسه سيزيف؟.
السعادة قمة ، وقمة شاهقة جداً ، ولم يصدف أن أحدا من البشر قد بلغها وتربع عليها ، فهذا يعني نهاية الحياة ، لكننا كلنا نرنو إليها ، ونتسلقها ، فمنا من ينقلب على ظهره ، قبل خطوته الأولى ، ليرتع في ضحضاح تعاسته شقياً ، ومنا من يتسلقها إلى أعلى قليلاً ، لكنه ما أن يشعر ويلتذ بما اكتسبت يداه ، حتى يرى سعادته في شيء آخر ، فيبدأ بدحرجته ، وهكذا ، دون أن يبلغ القمة،،.
متسلقو الجبال ، الذين قد يدفعون أعمارهم ثمناً لمغامراتهم ، حتى يحققوا هدفهم ، وهم ما إن يصلوا أعلى قمم العالم المغطاة بالجليد والزمهرير والعواصف ، فما يلبثوا أن يدقوا علم بلادهم ، ثم ينزلقون متدحرجين ، إلى أسفل القاعدة ، بعد أن نالوا متعة التسلق ، حالمين بجولة أخرى،.
وربما لحسن حظ البشر ، فسعادتهم في سعيهم لتحقيق أهدافهم ، لا بلوغها ثم الجلوس عليها ، فالقمة ليست هدفاً ، وما من قمة مريحة وجميلة ، وإنما الطريق إلى بلوغها والوصول إليها ، هو أجمل لذة يجنيها الإنسان ، وسلوا أهل القمم ، هل القمة مكان يليق بالعيش؟، ، أننا فقط نكون على قيد السعادة ، عندما ندحرج صخرة أيامنا: فتسقط منا ، ثم نعيد الكرة مرة إثر مرة ، فنصير سعداء،،.
ramzi279@hotmail.com