لنبدأ بالحرية الشخصية التي يطلبها الإنسان ويغضب ممن يمنعه عنها. الحريةُ لا تعدو كونها أفعالٌ وأقوالٌ يقوم بها الإنسانُ بملء الإرادة فيخطئ ويصيب. تسمح بها وتحجرها القوانين. بعض ممارسات الحرية التي نراها ونسمعها قد لا يطالها قانون ولو آذت غير ممارسها. ولِمَن تأذى أن يطرق باب القانون والمحكمة بالحجةِ المقنعة وقد يكسب وقد يخسر. وقد تقوم الحكومة وأدواتها الضبطية بتقييد الحريات الضارة والسلبية مثل كل ما يؤدي للضرر العام والخاص كأن يقول شخصٌ ما أنه حُرٌ بمالهِ فيحرقه أو أنه حرٌ بروحه فيحاول الانتحار أو يُشيعَ أخباراً تمس الأمن والاستقرار.
كوابح ومحفزات الحرية هي في الوازع الشخصي المتكون على التربية والتعليم والفهم، وعلى الوعظ الذي يسمعه الإنسان من الواعظ كان إماماً أو والداً ووالدةً وأخاً وصديقاً. ومن النصيحة ومن العرفِ والعادة السمحة والتقاليد الراقية التي تروي الوعز والوعظ.
لكن الحرية الشخصية حيوانٌ جموحٌ مهما روضتهُ النفس وقست عليها المواعظ والقوانين ونلاحظ إذاك ملامسة الحرية للغلاف الحدودي بين التمسك بالحَسَنِ والولوجِِ نحو السيئ من المظهر والكلام والأفعال. كأنه تحدِّي النفس للنفس. وجموحها ليسَ إلاّٰ دعوةً للنقدِ من الغيرِ الذي قد يرى في الحرية هذه تجاوزاً على حقوقه. وقد قيلَ أن الحرية تقفُ عند مساسها بحريةِ غيرك. قد تكون حُراًّ أن تصيح بأعلى صوتك من نافذتك لكن إن فعلتَ ذلك بمنتصف الليل سيكون اعتداءً على حريةِ غيرك في النومِ بذلك الوقت.
شاعت ممارسات الحرية الشخصية حتى تجاوزت ببعض البلاد ما يمكن أن تطيقه أو تستسيغه نفوسنا ببلادنا ولكننا نقتربُ من تلك الممارسات.
قد لا تكون عارياً تماماً لكن نصف عارٍ ممكن. قد لا تكون سوِيَّ الخلق والأخلاق لكن تشويههما ممكن. قد لا تكون نظيف اللسان وبذائته في الشارع ممكنة. بتلك البلاد كل هذا ممكن إلى أن تعبر خطاً من الذي رسمه القانون فتتم المحاسبة.
ببلادنا اختلطَ الحابل بالنابل أو يكاد. أَفْسَدَ أنواع الحرية مواعظ تُشكك بالإيمان وبالقرآن والسنة. آخرها التشكيك بالمعراج. يليها مظاهر مكروهة بالمساجد؛ لك الحرية بما تلبس لكن الركوع والسجود والجلوس يتطلبون أن لا يظهر نصف قفاك لأن حريتك اختارت بنطلوناً قصير القصة! وينطبق هذا على ملابس عامل يدخل منزلك من دون مراعاةٍ لأدب الملبس.
عموماً، أجدُ كذلك في خلط مظاهر التدين والتبرج الصارخ نوعاً من ممارسةِ حريةٍ ليست بمكانها. وأيضاً، حُرٌ أنتَ أن تلعب بهاتفك لكن لست حراً اللعب بالهاتف وأنت تقود سيارتك. كل هذه أمثلةً للحريات الممارسة وكل من ستسأل سيقول لك "أنا حر" وقد يضيف كلماتٍ لا تعجبك، وأنت حر أن تنهي سؤالك وتتوكل على الله أو تتمشكل معه ومعها. معظمنا يرى ويسكت ويحوقل. معظمنا أصبح غريباً ومُستغرباً من الحريات. معظمنا باتَ لا يريد أن يرى أو يسمع أو يتكلم. معظمنا يحب الحرية المسؤولة ولا يجدها. ومن الصعبِ أن تعيشَ مُغمِض العينين صَامَّ الأذنين أخرَسَ اللسان. لكنها الصفات المطلوبة من الأغلبية أمام استقواء الأقلية بالحرية الممسوخة. ولا حول ولا قوة إلا بالله.