لا تعرف منطقة في هذه الدنيا، تعيش الازمات، مثل المنطقة العربية، فمنذ ان ولدنا ونحن مشدودون على وتر الحروب والازمات، وليس غريبا، ان يكون العربي الاكثر اضطرابا في شخصيته.
خذوا مثلا، الازمات الاخيرة، فكلما اشتعلت نار الازمات بين ايران والولايات المتحدة، وهدد الاحتلال الاسرائيلي بضرب ايران، تتم مباشرة قراءة سيناريوهات تأثير الازمة على العالم العربي، من حيث سعر النفط، والمستوردات، والشحن، والمخاوف من توسع الحرب، وحرق العالم العربي، المحروق اصلا، بألف ازمة وازمة، منذ ان ولدنا، الى ما نحن سائرون اليه في هذه الحياة.
حتى التهديدات المتبادلة بين روسيا والغرب، حول اوكرانيا، تتم قراءة كل السيناريوهات حول تأثيرها علينا في هذه المنطقة، من أسعار النفط، والمخاوف من حرب عالمية ثالثة تحرق الاخضر واليابس، وصولا الى بقية التفاصيل التي عشناها الايام الماضية، وكأن هذه المنطقة موعودة فقط بأزماتها، وأزمات غيرها، وتدفع الثمن، وتبقى مذعورة من كل النتائج القريبة والمتوسطة والبعيدة.
ربما يقال هنا ان هذا امر طبيعي، فنحن جزء من العالم، ونتوسط موقعا حساسا، غنيا بالثروات، والازمات الجيوسياسية، بطبيعته، اضافة الى تركيبته المعقدة، واعتماده على غيره في كل شيء، ولهذا يكون طبيعيا ان يتأثر، بكل حرب، او ازمة، او اي ظرف مستجد في العالم.
هذا الكلام على صحته، الا انه ليس كافيا لتبرير كل المشهد، فهناك شعوب تعيش بأمن واستقرار وازدهار، ولا تتوجس من ازمات العالم، وهناك شعوب نأت بنفسها وبمواردها عن كل هذه الظروف، وهناك شعوب غنية وحتى فقيرة، مشغولة بنفسها، ولا تتأثر كثيرا ببعض ما يجري في العالم، اما لاعتبارات الرفاه التي تحمي الشعوب الغنية، واما لاعتبارات الفقر، حيث لا شيء لدى هذه الشعوب لتخسره في الدنيا، فالذي لا تصله الكهرباء، لا يأبه بسعر الكهرباء اصلا.
هذه منطقة موعودة بالأزمات، ومنذ الحرب العالمية الاولى، ثم الثانية، لحقتها كلف الحروب، ولو سياسيا، واقتصاديا، ثم عسكريا بشكل جزئي، بسبب ما نتج عن اعادة ترسيم خرائط العالم، وما نزال حتى اليوم ندفع كلف وجود الاحتلال الاسرائيلي، ومن ازمة الى ازمة، في فلسطين، وسورية، والعراق، ولبنان، وتأتينا فوقها رياح ازمات ايران وتركيا، ونصل بعيدا الى روسيا واوكرانيا، فلا تعرف كيف سوف يصمد العصب العام لهذه الشعوب فوق ما فيها من فقر، وافقار، وفساد، وغياب للتعليم المنتج، وغياب ادنى الحقوق من العلاج، وصولا الى صون كرامة الانسان، وحفظ حقوقه الاساسية، اضافة الى الصراعات الدينية والمذهبية والعرقية.
اعتقد صراحة ان هذه المنطقة، من اكثر مناطق العالم، حساسية، لكل شيء، سواء كان من نتاج عوامل داخلية، او اقليمية، او دولية، فهي منطقة هشة جدا، برغم موروثها الحضاري، والديني، الى الدرجة التي يتنزل فيها السؤال عليك، حول اذا ما كان اهل هذه المنطقة، هم ذاتهم ورثة الدول الكبرى، والحضارات التي قامت في هذه المنطقة، ام انهم من عالم آخر، يتم لعنهم بكل هذه الازمات، والفواتير، التي تهبط على رؤوسنا جميعا، بلا استثناء، في كل يوم وشهر وسنة.
لو سألت كبار السن، وصولا الى هذه الاجيال، عدا اولئك الذين لا يأبهون ولا يشعرون، لقال لك الكل انهم لم يشعروا بالاستقرار يوما، وكأن تحت اقدامهم الريح، ولو عدنا الى مثل مهم، لوجدنا الادلة على شعورهم بعدم الاستقرار، فالحرب العراقية الايرانية حرقت كل شيء، وحين توقفت تنفست المنطقة الصعداء، لكن سرعان ما دخل العراقيون الكويت، احتلالا، فدخلنا ازمة جديدة، مرت بالحصار، والحرب في العام 2003، وهكذا تلد ازمة، ازمة ثانية، وكأنه مكتوب على المنطقة ألا تستقر ولا ترتاح ابدا، فلا نلوم اليوم، من فروا بالسفن والقوارب، وهم لم يغدروا اوطانهم بل ان الصبر فيهم قد نفد، وهم يرون ان كل شيء يتزلزل كل عقد او عقدين.
ربما هو سوء الحظ، او سوء التدبير، او المؤامرة، او انها فاتورة متراكمة للجهل، والتفريط، والخبراء هنا، لديهم عشرات الاجابات، لكن الخلاصة واحدة، نحن نعيش فوق فوهة بركان.
(الغد)