نجحت الولايات المتحدة بسياستها من فرض ايقاعها العميق بقيادة العالم من جديد وعندما استطاع بيت القرار السياسي في واشنطن من ايجاد استراتيجية عمل قامت على فك الشفيرات السياسية واستخلاص مفتاح قادر على اعادة بناء نظام الضوابط والموازين حيث عمدت هذه الاستراتيجية على تقسيم مناطق العالم الى دوائر ذات مرجعيات امنية ونقاط استقطاب مركزية وعمل للاجهاز على المشروع الفرنسي الالماني ببناء الجيش الاوروبي وعزز من مكانة الناتو كما عمل على ابعاد شبح الصين من الوصل الى المركز القطبي في بيت القرار العالمي وجعل محللها الاتحاد الروسي في الموقع الندي المقابل وهو ما يعزز من برنامج الرئيس جو بايدن الذي جاء تحت عنوان من قيادة العالم من جديد.
وهو ما يمكن مشاهدته ضمنيا من نقطة الاشتباك الاوكرانية التي عملت على تقسيم العالم الى شطرين ليسا متساويين فالغالبية مازلت تحظى بها الولايات المتحدة والاقلية مع الاتحاد الروسي
لكن ذلك ابقى مساحة المناورة السياسية والاستخبارية محصورة في شمال العالم وهي مؤطرة بعناوين استراتيجية ثلاث تقوم على قاعدة منظومة المثلث متساوي الاضلاع حيث تحتوى كل منهما على عقيدة مذهبية وعمق جغرافي مقرون بتكتل بشري اضافة الى تسليح نووي استراتيجي ردعي وهذا ما يبقى شمال العالم مسيطر على جنوبه في الميزان الجغرافي لقياس الاحداث.
وأيا ما كانت آلية العمل المتخذة في أوكرانيا فان محصلة النتيجة ستبقى واحدة ان كان دخلت روسيا الى أوكرانيا بوسيلة عسكرية او آلت الامور لروسيا كنتيجة تفاوضية فان المحصلة في نهاية المطاف ستبقى واحدة بالقياس لكن ليس بالاسقاط وهنا يكمن بيت الخبر وعنوانه هذا لان السياسات المتبعة في تثبيت مراكز النفوذ وحدودها ستكون مغايرة تبعا لطبيعة الدخول وزمن التنفيذ ومقدار الخسائر المترتبة وهي ما تشكل بيان الفاتورة التي ينبغي سدادها عند البدء بتركيب جمل الاحداث ما بعد أوكرانيا.
ولان التواجد الروسي اصبح واقع حال في الشرق الاوسط وبات بحكم الواقع مركزه في سوريا وكما دوائر نفوذ في غيرها من دول المنطقة فان الاردن وسوريا بموجب هذا الاستخلاص سيشكلان نقطة التماس الجغرافي للنفوذ العالمي ما بعد أوكرانيا الامر الذى سيكون له تبعات على الصعيد الامني والاقتصادي كما المعيشي في ظل حالة عدم الاستقرار التي تقبع فيها الجغرافيا السورية.
فان دخلت روسيا الى أوكرانيا بطريقة سلمية فان قواعد الاشتباك ستكون مغايرة عن دخول روسيا الى أوكرانيا بطريقة عسكرية وبالتالي فان الاسقاطات المترتبة على ذلك ستحمل نتائج على انعكاسات على واقع الاحداث في المنطقة الامر الذي يتطلب من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي توجيه الدعم الملائم للاردن.
بما يمكنه من تعويض انعكاسات هذا المتغير على مجمل النشاطات المعيشية والتنموية لمواطنيه فالاردن سيشكل نقطة تماس دولي سيصعب في حال تكوينها من استمرار برنامجه تجاه جلب الاستمار وهذا ما سيجعله يدور بفلك المجتمعات غير الموطنة للاستثمار ويجعله اسيرا للمناخ العام الذي كونته الاسقطات القادمة من نتائج التغيير فى أوكرانيا ، من هنا تكمن اهمية المناخات السائدة التي ستجعل من الملف في المنطقة ذا اولوية امنية عن غيرها من الاولويات لكنه في ذات السياق سيجعل الاردن مركز اساس في التكوين الاستراتيجي القادم .
(الدستور)