ربما يكون المصطلح غريباً، ولكنه متعارف عليه، ذلك أن الإصغاء هو مَلًكة خاصة بالبشر، ويستطيع الإنسان أن يقوم بها بأذني جسده، ولكن بأذني القلب أيضا، تعبيرا عن الإصغاء باحترام بالغ.
هذا المصطلح قد اختاره البابا فرنسيس ليعبّر عن رسالة الإعلام التي يوقعها في كلّ عام. وقد جاءت بعنوان: «الإعلام: إصغاء بأذني القلب». ويتكلم عن الإصغاء في الكتاب المقدس، وكيف أنّه تعبير عن الحوار بين الله والبشر في العهدين القديم والجديد. ولكن في النهاية يتحدّث عن هذا المصطلح ويقتبس من القديس أوغسطينوس، من القرن الثالث للميلاد، وكذلك من القديس فرنسيس الأسيزي، في القرن الثاني عشر للميلاد، حيث كان يحثّ تلاميذه أن يصغوا بلغة القلب.
المصطلح جميل ومعبّر، وبالأخص في هذه الفترة التي تعيشها البشريّة؛ ذلك أنّ الوقت الذي يعيشه الإنسان هو وقت السرعة ووقت الرسائل المستعجلة، سواء على «الفيسبوك» أو «الواتساب» أو «الانستغرام» أو غيرها من منصات التواصل.
فهنالك خدمة على «الواتساب»، على سبيل المثال، تمكّن الانسان المستعجل أن يستمع للرسائل الصوتية بتسريعها ضعفي نغمتها الأصلية. فإنسان اليوم ليس إنساناً يصغي بامتياز، هو إنسان الحركة والسرعة والرسائل النصيّة أو الصوتيّة المستعجلة.
فكيف إذن ندعو إلى الإصغاء بأذني القلب ونحن أصلاً بأذني الجسد لم نعد نستسيغ أن نسمع؟! الإصغاء هو الحل للكثير من معضلات العلاقات الإجتماعية. وهو جوهر الإعلام الصحيح، كما يقول البابا فرنسيس، وكما نراه في حياتنا اليوميّة. ولا مناص من هذا «المفتاح للحل» إذا أردنا أن نقف إلى جوار الإنسان بمعاناته الحاليّة جرّاء داء الكورونا وتداعياته وازدياد البطالة والفقر، ممّا سيسبّب مآسي بشريّة قادمة، وأخطرها ازدياد العنف المنزلي والتوترات في العلاقات بين البشر.
إذن، هنالك حاجة إلى الإصغاء، وهنالك حاجة إلى تدريب الإعلام كيف يكون مصغياً بانتباهٍ بالغ إلى ما يريد الآخرون أن يقولوا، وما يريدون أن يعبّروا به عن مكنونات قلوبهم. لعلّها دعوة من جديد إلى أن نعيد الأمور إلى هدوئها وتقديراتها الصحيحة وسلّم أولوياتها..
فلدى الإنسان ما يقوله، ولكن ليس لديه من يصغي إليه! وهنالك على المستوى الدولي دعوات للسلام تنوء تحت ثقل طبول الحرب، ولا يصغي إليها الإنسان إلا بعد فوات الأوان! وهنالك آلام في البيوت يريد سكانها أن يبثوها، ولكن ليس هنالك من يصغي! وهنالك صرخات الشباب العاطل عن العمل، وصرخات الفقراء، وصرخات اللاجئين على الحدود بين الدول، ولكن ليس هناك من يستجيب لندائهم، لأنّ البشر قد باتوا كما يقول المثل العربي: «أذن من طين وأذن من عجين"! فلنجعل هذا العام عام الإصغاء بامتياز، في إعلامنا وفي مجمل حياتنا، فالوباء قد جعل كلّ أمور الدنيا نسبيّة، وجعلنا ندرك أهميّة الحياة، وأهميّة تقدير كرامة الإنسان، كلّ إنسان، وهذا ما يحتم علينا أن نصغي بانتباهٍ بالغ إلى أوجاع الناس، أكانوا معبّرين عنها أم غير قادرين على البوح بها. ولكن، فلنصغِ باحترام بالغ ليس بأذنينا فحسب، وإنما بأذني القلب.
(الرأي)