العناوين السائدة في حياة البشر اليوم، جلها إن لم يكن كلها، سلبية بإمتياز، حروب فقر ظلم جوع مرض قهر استبداد طمع جشع تنافس غير شريف على الظفر بالدنيا نفاق سوء أخلاق رعب تهديد حصار احتلال استقواء تسابق تسلح، إلى غير ذلك !.
في زمن فائت، كانت البشرية تحظى بما يطلق عليه وصف " رجل رشيد ". هو رجل واحد، لكنه يتوفر على قدرات إيجابية خارقة عنوانها الوحيد الأبرز والأهم هو " الخلق القويم الحسن "، وهذه صفة تخضع له، أعتى الجبابرة وظلمة العصر طوعا !.
في زماننا العربي، ولنقل الأردني مثلا، كان الرجل الرشيد كثيرا جدا، كان موجودا في كل حي وحارة، كان الناس يحترمونه ويخجلون من مخالفة رأيه، فإن قال لا استجابوا، وإن قال نعم استجابوا، والمبرر أنهم يعلمون يقينا أن همهم هو همه وأنه لا يريد بهم إلا خيرا وأن رأيه وموقفه فيه هذا الخير لا الشر.
لماذا فقدت البشرية والعرب بالذات ميزة الرجل الرشيد الذي لا ينطق إلا بالحق ولا يقول إلا خيرا ولا يسعى إلا لحياة آمنة مستقرة فيها رفاه الناس وتلاقي مشاعرهم الطيبة على التعاون والتكاتف والمودة والسلام والرخاء والعدل ورد اللهفات والإنصاف !!.
لا أعرف الجواب تحديدا، لكنني أذهب مباشرة إلى سيرة المصطفى " محمد " صلى الله عليه وسلم وأتصفح بعض ما كتب عنه ليس العرب أو المسلمون، وإنما كبار مفكري العالم الآخر غربه وشرقه وأقتطف عبارة قالها المؤلف الأيرلندي الكبير " برنارد شو " قبل قرابة مائة عام وفحواها " لو كان محمد بن عبدالله بيننا اليوم لحل مشكلات العالم وهو يحتسي فنجان قهوة ".
نعم " محمد " صلوات الله وسلامه عليه، كان نبيا مرسلا لا ينطق عن هوى لكنه ترك لنا نحن أهله العرب والمسلمين سيرة عطرة وإرثا أخلاقيا عظيما لو حاولنا التخلق بشيء منه، لصرنا " سادة " في هذا العالم، ولقدمنا القدوة والمثل الأعلى لسمة " الرجال الراشدين " الذين باتت البشرية كلها ونحن منها وعلى وجه الخصوص، بأمس الحاجة إليها للخروج من مصائبنا ومشكلاتنا ونكباتنا وسائر أشكال معاناتنا.
الله القائل عز من قائل لرسوله " وإنك لعلى خلق عظيم " من وراء قصدي .